ذلك عليهم، وكثرة شعرائهم، وكثرة من هجاه منهم، وعارض شعراء أصحابه وخطباء أمته، لأن سورة واحدة وآيات يسيرة كانت أنقض لقوله، وأفسد لأمره، وأبلغ في تكذيبه، وأسرع في تفريق أتباعه، من بذل النفوس، والخروج من الأوطان، وإنفاق الأموال. وهذا من جليل التدبير الذي لا يخفى على من هو دون قريش والعرب في الرأي والعقل بطبقات.
ولهم القصيد العجيب، والرجز الفاخر، والخطب الطوال البليغة، والقصار الموجزة، ولهم الأسجاع، والمزدوج، واللفظ المنثور. ثم يتحدى به أقصاهم بعد أن ظهر عجز أدناهم، فمحال- أكرمك الله- أن يجتمع هؤلاء كلهم على الغلط في الأمر الظاهر، والخطأ المكشوف البين، مع التقريع بالنقص، والتوقيف على العجز، وهم أشد الخلق أنفة، وأكثرهم مفاخرة، والكلام سيد عملهم وقد احتاجوا إليه، والحاجة تبعث على الحيلة في الأمر الغامض، فكيف بالظاهر الجليل المنفعة!! وكما أنه محال أن يطيقوه ثلاثا وعشرين سنة على الغلط في الأمر الجليل المنفعة، فكذلك محال أن يتركوه وهم يعرفونه ويجدون السبيل إليه، وهم يبذلون أكثر منه» اه.
نقلنا لك هذا النص بطوله من كلام هذا الإمام من أئمة الفكر والبيان في أدب العرب، لأنه يلخص جميع المقدمات التاريخية التي كنا نود الحديث عنها، ويغني فيها ما تغنيه المطوّلات. إلى جانب ما أشار إليه من نقاط كثيرة أخرى يصعب بسط الكلام فيها في مثل هذه الفصول الموجزة. وبحسبنا هنا أن نشير إلى تأثير القرآن الكريم في العرب كأنه السحر، ولكنه ليس بالسحر «فشتان بين السحر في تخييله، وبين القرآن في اشتماله على الحق الذي لا خداع فيه ولا تخييل» (١) كما يقول الشيخ الزفزاف رحمه الله،
وكان ذلك فيهم منذ اللحظة الأولى لنزول القرآن، سواء منهم من شرح الله صدره للإسلام، ومن جعل على بصره غشاوة. قال صاحب