التصوير الفني في القرآن: «وإذا تجاوزنا عن النفر القليل الذين كانت شخصية محمد ﷺ وحدها هي داعيتهم إلى الإيمان في أول الأمر، كزوجه خديجة، وصديقه أبي بكر، وابن عمه علي، ومولاه زيد، وأمثالهم، فإنا نجد القرآن كان العامل الحاسم، أو أحد العوامل الحاسمة في إيمان من آمنوا أوائل الدعوة، يوم لم يكن لمحمد ﷺ حول ولا طول، ويوم لم يكن للإسلام قوة ولا منعة. وقصة إيمان عمر بن الخطاب، وتولي الوليد بن المغيرة نموذجان من قصص كثيرة للإيمان والتولّي، وكلتاهما تكشف عن هذا السحر القرآني الذي أخذ العرب منذ اللحظة الأولى، وتبيّنان في اتجاهين مختلفين عن مدى هذا السحر القاهر الذي يستوي في الإقرار به المؤمنون والكافرون» (١).
بل بلغ من تأثير القرآن فيهم أنهم خافوا على من يعرف بليغ القول من قومهم أن يسلموا لسماع القرآن، فقالوا لهم: لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦) [سورة فصلت، الآية ٢٦]. إنها طريقة في النصر والغلب طريفة وسابقة: والغوا فيه!!.. أي لا تمكنوا الناس من سماع القرآن، وذلك بما تحدثونه، عند قراءة النبيّ له، من صخب وتشويش وضوضاء!
روى البيهقي في دلائل النبوة أن أبا جهل بن هشام، وأبا سفيان بن حرب، والأخنس بن شريق كانوا يتواصون ألا يستمعوا لهذا القرآن، ويحذرون الناس أن يميلوا إلى سحره! ولكنهم تحت تأثير لا يستطيعون مقاومته كانوا يتسلّلون تحت جنح الظلام إلى حيث يستمعون إلى النبيّ وهو يقرأه في الكعبة.. فإذا انصرفوا بعد القراءة تلاقوا في الطريق فأخذوا يتلاومون ويتعاهدون ألا يعودوا.. وذلك خوفا من أن يقتدي بهم الملأ من قريش.. وفي الليلة الثالثة اجتمعوا وتلاقوا مستنكرين، فلما كان الصباح ذهب الأخنس بن شريق إلى أبي سفيان فقال له:
أخبرني أبا حنظلة عما سمعت من بيان محمد! فقال: لقد سمعت أشياء أعرفها