وأعرف ما يراد منها! فقال الأخنس: وأنا كذلك. ثم انصرف إلى أبي جهل ليسأله عما سأله أبا سفيان، فقال أبو جهل في غيظ: تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف! أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا! حتى إذا تجاثينا على الركب، وكنا كفرسي رهان قالوا: منا نبيّ يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟! والله لا نسمع إليه ولا نصدقه!
لو كان هؤلاء لا يستشعرون روعة القرآن، أو لا يدركون سحره وتأثيره لما تعاهدوا على اجتنابه ثم اندفعوا إلى الاستماع إليه، ثم بم نعلل- كما يقول بعض النقاد- «حرص الأخنس على سؤال أبي سفيان وأبي جهل عن أثر القرآن في نفسيهما، وقد حرصا على الاستماع إليه حرص الكاره الغضوب لا المعجب الودود؟ أما أبو سفيان فقد أجمل وأبهم! وأما أبو جهل فقد انفجر حنقا يكشف عن نفسه الستار الخادع إذ يعلن أن المسألة ليست مسألة الوحي، ولكنها مسألة المنافسة بين بني عبد مناف وبني مخزوم».
ولهذا لم يكن قولهم: لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ [سورة الشعراء، الآية ٢٦].
وقولهم: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٥) [سورة الفرقان، الآية ٥].
أو قولهم: قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٣١) [سورة الأنفال، الآية ٣١]... لم يكن هذا إلا تعبيرا عن الجحود، والعناد والمكابرة، واللجاج في الباطل «كالذي ينكر ضوء الشمس وقد بهرت عينيه لعلة تدفعه إلى البهتان» لأننا لا ندري لماذا لم يقولوا مثله؟! ولهذا لم يعارضوه حين فاجأهم التحدّي في سورة يونس: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) [الآية ٣٨]! والمعنى هنا كما قال الجاحظ:
هاتوا مفتريات! أو حين نزل عليهم بعد ذلك في سورة الإسراء: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ