الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (٨٨) [الآية ٨٨].
أما تولي الوليد بن المغيرة الذي أشرنا إليه آنفا، فقد أخرج الحاكم عن ابن عباس أن النبيّ ﷺ قام يصلي في المسجد، وأخذ يقرأ القرآن، والوليد بن المغيرة قريب منه يستمع قراءته، فلما فطن النبيّ لاستماعه أعاد القراءة. قال: فكأنه رقّ له، فانطلق إلى مجلس قومه بني مخزوم. فقال: والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس، ولا من كلام الجن، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنّ أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته. فقالت قريش: صبأ والله الوليد، والله لتصبأنّ قريش كلهم! فقال أبو جهل: أنا أكفيكموه! وقعد إليه حزينا وكلّمه بما أحماه، وما زال به حتى أتى مجلس قومه، فقال: تزعمون أن
محمدا مجنون، فهل رأيتموه يخنق؟ وتقولون إنه كاهن، فهل رأيتموه قط يتكهّن؟ وتزعمون أنه شاعر، فهل رأيتموه يتعاطى شعرا- وفي رواية: والله ما في قريش رجل أعلم بالشعر أو رجزه أو قصيده مني، ولا والله ما يشبه الذي يقول محمد شيئا من هذا الشعر أو ذلك الرجز- وتزعمون أنه كذاب، فهل جرّبتم عليه شيئا من الكذب؟ فقالوا في ذلك كله: اللهم لا، ثم قالوا: فما هو؟!... ففكّر وقدّر، ثم قال: ما هو إلا سحر يؤثر، أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه؟ فارتج النادي فرحا، وتفرقوا معجبين بقوله (١).
وهذا هو ما أشار إليه سبحانه بقوله: إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) [سورة المدثر، الآيات ١٨ - ٢٤].
يقول بعض الأدباء النقاد في التعقيب على قصة الوليد هذه: «هذا هو