ثم قدم الدليل على ذلك من قوله تعالى في سورة هود: وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٤) [الآية ٤٤] فقال:
«إن شككت، فتأمّل: هل ترى لفظة منها بحيث لو أخذت من بين أخواتها وأفردت لأدّت من الفصاحة ما تؤديه وهي في مكانها من الآية؟ قل ابْلَعِي واعتبرها وحدها من غير أن تنظر إلى ما قبلها وإلى ما بعدها، وكذلك فاعتبر سائر ما يليها.
وكيف بالشك في ذلك، ومعلوم أن مبدأ العظمة في أن نوديت الأرض، ثم أمرت، ثم في أن كان النداء ب «يا» دون «أي» نحو «يا أيتها الأرض» ثم إضافة الماء إلى الكاف، دون أن يقال ابلعي الماء، ثم أن أتبع نداء الأرض وأمرها بما هو من شأنها نداء السماء وأمرها كذلك بما يخصها، ثم أن قيل وَغِيضَ الْماءُ فجعل الفعل على صيغة «فعل» الدالة على أنه لم يغض إلا بأمر آمر، وقدرة قادر، ثم تأكيد ذلك وتقريره بقوله تعالى: وَقُضِيَ الْأَمْرُ، ثم ذكر ما هو فائدة هذه الأمور وهو: وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ثم إضمار السفينة قبل الذّكر كما هو شرط الفخامة والدلالة على عظم الشأن، ثم مقابلة قِيلَ في الخاتمة ب قِيلَ في الفاتحة؟ أفترى لشيء من هذه الخصائص التي تملؤك بالإعجاز روعة، وتحضرك عند تصوّرها هيبة تحيط بالنفس من أقطارها تعلقا باللفظ من حيث هو صوت مسموع وحروف تتوالى في النطق؟ أم كل ذلك لما بين معاني الألفاظ من الاتّساق العجيب» (١).
ويوضح عبد القاهر أن رفضه للاستعارة والمجاز، وللأبواب السابقة أن تكون مناط الإعجاز، لا يعني أكثر من إنكارها مفردة، أو خارج نطاق «النظم