في بعض الأحيان... والتناسق الناشئ عن المدة المقررة لبقاء المشهد أو الصورة معروضة على الأنظار في النفس والخيال... علّنا ندرك الأبعاد الكاملة، أو شيئا غير قليل من هذه الكلمة التي ختم بها الأستاذ سيد قطب- رحمه الله- بحثه الدقيق والواسع في التناسق والتصوير عند ما قال:
«وهكذا تتكشف للناظر في القرآن آفاق وراء آفاق من التناسق والاتّساق:
فمن نظم فصيح، إلى سرد عذب، إلى معنى مترابط، إلى نسق متسلسل، إلى لفظ معبّر، إلى تعبير مصوّر، إلى تصوير مشخّص، إلى تخييل مجسّم، إلى موسيقى منغّمة، إلى اتساق في الأجزاء، إلى تناسق في الإطار، إلى توافق في الموسيقى، إلى تفنّن في الإخراج.
وبهذا كله يتم الإبداع، ويتحقق الإعجاز»
.
يقول الأستاذ الدكتور صبحي الصالح: «ولعل الغاية التي انتهى إليها سيد قطب من فهم الأسلوب القرآني أن تكون أصدق ترجمة لمفهومنا الحديث لإعجاز القرآن لأنها تساعد جيلنا الجديد على استرواح الجمال الفني الخالص في كتاب الله، وتمكن الدارسين من استخلاص ذلك بأنفسهم، والاستمتاع به بوجدانهم وشعورهم» (١).
قلت: ولعل الأمر الذي انتهى إليه سيد في شأن الإعجاز بالتصوير- إن صح هذا التعبير- يوضح بعض جوانب نظرية عبد القاهر الجرجاني، ويضيف إليها؛ لا أنه يليغها ويعفّي عليها (٢).. كما أن هذه الملاحظات الدقيقة بشأن دور الألفاظ في مسألة التصوير لعلها أن تكون قد انتهت إلى سيد، حيث أوضحها ووضعها في

(١) مباحث في علوم القرآن- الطبعة الثانية: مطبعة جامعة دمشق ص ٣٦٨.
(٢) أشار سيد قطب رحمه الله إلى أن عبد القاهر بلغ غاية التوفيق المقدر لباحث في عصره، وأنه كان على وشك إدراك الناحية التصويرية والتخييلية في أسلوب القرآن «ولقد كان النبع منه على ضربة معول فلم يضربها!» التصوير الفني لسيد قطب، مرجع سابق ص ٢٩.


الصفحة التالية
Icon