الموسيقى وترنيم الشعر، لأن الموسيقى تتشابه أجراسها وتتقارب أنغامها فلا يفتأ السمع أن يملها... ولأن الشعر تتحد منه الأوزان وتتشابه القوافي في القصيدة الواحدة غالبا، وإذا طالت على نمط يورث سامعه السأم والملل، بينما سامع لحن القرآن لا يسأم ولا يمل، لأنه ينتقل فيه دائما بين ألحان متنوعة، وأنغام متجددة!... » (١).
(ب) جمال القرآن اللغوي: قال الزرقاني: «ونريد بجمال القرآن اللغوي:
تلك الظاهرة العجيبة التي امتاز بها القرآن في رصف حروفه وترتيب كلماته، ترتيبا دونه كل ترتيب ونظام تعاطاه الناس في كلامهم» فإذا علمنا أن حروف الهجاء في لغة العرب موزعة بين حروف الإخفاء وحروف الإظهار والحروف المهموسة والحروف الجهرية، وحروف المد، وحروف الاستعلاء، وحروف القلقلة، وحروف التفخيم والترقيق، إلى آخر هذه التقسيمات المعروفة في فقه اللغة وفي علم التجويد... أدركنا طرفا من جمال القرآن اللغوي حين رصف هذه الحروف بعضها بجانب بعض في الكلمات والآيات «وحين خرج إلى الناس في هذه المجموعة المختلفة المؤتلفة، الجامعة بين اللين والشدة، والخشونة والرقة، والجهر والخفية، على وجه دقيق محكم... امتزجت فيه جزالة البداوة برقة الحضارة، وتلاقت عندها أذواق القبائل العربية على اختلافها بكل يسر وسهولة» (٢).
خامسا- تعقيب عام: البيان.. والإنسان:
وقد يقال في خاتمة المطاف: إن قضية الإعجاز البياني تضعنا أمام مشكلتين رئيستين، واجهت عصورا قبلنا، كما تواجهنا نحن اليوم. وهما: كيف يتم فهم هذه القضية أمام انحدار السليقة العربية، أو أمام اختلافنا عن جيل التنزيل بوجه عام
(٢) المصدر السابق ٢/ ٣١٢.