في باب اللغة والبيان، والمشكلة الثانية: كيف يؤمن غير العرب، والإسلام عام لجميع الناس؟
والذين يتحدثون عن هاتين المشكلتين اليوم يريدون إلجاءنا إلى الكلام عما يسمونه «الإعجاز العلمي» أو «الإعجاز التشريعي»، وهي الأنواع التي تحل اليوم- في قضية الدعوة إلى القرآن بالقرآن- مشكلة العرب والعجم جميعا!.
ونحن لم ننكر أن تكون مضامين القرآن من أهم وسائل تعميمه والدعوة إليه.
وأن تكون براهين أو دلائل على أن القرآن الكريم تنزيل من حكيم حميد. ولكن أنكرنا أن تكون مناط الإعجاز الذي وقع به التحدّي، ومن شاء أن يسمّيها «إعجازا» من باب التجوّز فليفعل، على ما يعود من عمله هذا على القضية الأساسية من بعد وإساءة، أو خلط وتمييع، ولو عن غير قصد.
(أ) أما المشكلة الأولى فقد أجاب عنها بعض العلماء السابقين بأن هذا الإعجاز إذا كان لزم الأوائل- وهم من هم في باب البلاغة والفصاحة والبيان- فلأن يلزم سائر الأجيال من بعدهم من باب أولى!
ونحن نخشى أن يكون في هذا الرأي لون من ألوان الخدش لمسألة البعد التاريخي للقرآن التي أشرنا إليها في موضع سابق من هذا البحث. ولكن نذكّر بأن «حقيقة» الإعجاز واقعة على كل حال، وإن عجزت بعض الأجيال عن إدراك سببه أو وجهه. ونحن نقول من وجه آخر- ونرجو ألا يكون في ذلك حيف أو تجاوز-: إن جيلنا اليوم قد يكون أقدر من أجيال سابقة كثيرة على إدراك بعض مناحي الإعجاز- أي البلاغي- وما بين يدينا اليوم من تراث نقدي وأدبي، في لغة العرب وسائر لغات العالم، ينهض بنا إلى هذا المقام، أو يقوم على الأقل مقام تلك السليقة المطبوعة والبيان الموروث... فنظرية النظم- التي ألمحنا إلى فحواها، أو إلى فكرتها الأساسية- لم تكن إلا في عصر التصنيف، أو في العصر الذي استوت فيه العلوم والمعارف الأدبية على سوقها. كما أن الحديث اليوم عن