وأخلاقهم وأعمالهم... وذلك أن الفضل إما بالعلم النافع، وإما بالعمل الصالح.
«والعلم له مبدأ: وهو قوة العقل الّذي هو الحفظ والفهم. وتمام: هو قوة المنطق الذي هو البيان والعبارة. والعرب هم أفهم من غيرهم وأحفظ وأقدر على البيان والعبارة. ولسانهم أتم الألسنة بيانا وتمييزا للمعاني...
«وأما العمل فإن مبناه على الأخلاق، وهي الغرائز المخلوقة في النفس، وغرائزهم أطوع للخير من غيرهم، فهم أقرب للسخاء والحلم والشجاعة والوفاء، وغير ذلك من الأخلاق المحمودة. لكن كانوا قبل الإسلام طبيعة قابلة للخير معطّلة عن فعله. ليس عندهم علم منزل من السماء، ولا شريعة موروثة عن نبيّ، ولا هم أيضا مشتغلون ببعض العلوم العقلية المحضة. إنما علمهم ما سمحت به قرائحهم من الشعر والخطب، وما حفظوه من أنسابهم وأيامهم، وما احتاجوا إليه في دنياهم من الأنواء والنجوم، أو من الحروب.
«فلما بعث الله محمدا ﷺ بالهدى، الذي ما جعل الله في الأرض، ولا يجعل منه أعظم قدرا، وتلقوه عنه بعد مجاهدته الشديدة لهم، ومعالجتهم على نقلهم عن تلك العادات الجاهلية والظلمات الكفرية، التي كانت قد أحالت قلوبهم عن فطرتهم، فلما تلقوا عنه ذلك الهدى العظيم زالت تلك الريون عن قلوبهم، واستنارت بهدي الله الذى أنزل على عبده ورسوله، فأخذوا هذا الهدي العظيم بتلك الفطرة الجيدة، فاجتمع لهم الكمال بالقوة المخلوقة فيهم، والكمال الذي أنزل الله إليهم، بمنزلة أرض جيدة في نفسها، لكن هي معطلة عن الحرث، أو قد نبت فيها شجر العضاه والعوسج، وصارت مأوى الخنازير والسباع، فإذا طهرت عن المؤذي من الشجر والدواب، وازدرع فيها أفضل الحبوب والثمار، جاء فيها من الحرث ما لا يوصف مثله» (١).