أشار ابن تيمية رحمه الله في هذا الكلام الناصع إلى مزية اللسان العربي على كل لسان- المسألة التي عرضنا لها في النقطة السابقة- كما أشار إلى مدى المواءمة والتوافق بين الكمال بالقوة أو الكامن في فطرة العرب، وكمال القرآن- والشريعة- الذي أنزله الله تعالى فيهم، أو بعبارة أخرى: مدى المواءمة والتوافق بين العرب ورسالة
الإسلام. أو بين مواهب العرب وخصائص الإسلام.
ونحن لا نشك في أن نزول القرآن ورسالة الإسلام في العرب، واختيار خاتم الرسل عليه الصلاة والسلام منهم، كان بسبب ما تمتعوا به من الصفات النفسية والذهنية، وما عرفوا به من الفضائل الحميدة، والصفات الكريمة، كالصبر والصدق والكرم والشجاعة والأمانة وصلة الرحم والدفاع عن المظلوم والوفاء بالوعد... إلخ فضلا عن تأثرهم الشديد بالكلام وما ينطوي عليه من أسباب البلاغة والبيان.
وعلينا أن نلاحظ هنا، شرحا لهذه النقطة، وتعقيبا على تفريقنا المشار إليه بين المواهب والفطرة والاستعداد- أو الكمال بالقوة المخلوقة في العرب بحسب عبارة شيخ الإسلام- (والواقع) الذي كان عليه القوم عند بعثة النبيّ ونزول القرآن.. علينا أن نلاحظ أن جزءا كبيرا من هذا (الواقع) السّيّئ أو الفاسد إن لم يكن الجزء الأكبر والأهم، كانت دوافعه نبيلة، ومقاصده حسنة! وإنما لحقه الخطأ والفساد من اختيار الطرق والوسائل، أو من المغالاة التي قد توقع صاحبها في أسوأ مما كان يحذر؛ كوأد البنات خشية العار على سبيل المثال. ومن المعلوم أن من أسوأ أعمال العرب في الجاهلية: معاقرة الخمر، ولعب الميسر والقمار. وإنما حملهم على هاتين الخلّتين: الجود والكرم، والرحمة بالفقراء والمساكين. أما الخمر فقد أطنب الشعراء في مدحها لأنها تعلّم الخروج عن المال، وتعوّد على البذل والسخاء، وأما المسير فكان الفائز أو الرابح لا يأخذ من الإبل التي جرت عليها المقامرة شيئا! بل يجعل لحومها للفقراء والمساكين. وهذه هي المنافع التي


الصفحة التالية
Icon