وقال تعالى:- في الآيتين التاليتين: ٧٧ - ٧٨ - : أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧) وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨).
وفي هذا، وشبهه من ضروب الفواصل الأخرى التي يمكن ملاحظتها في الآيات القرآنية، ما يدل على شدّة التحام أجزاء الكلام، وما توحي به آيات التنزيل من ضروب «الإيقاع» الخفية والظاهرة والمتماثلة والمتقاربة. وتدخل هنا قضية «الوقف والابتداء» - أو القطع والائتناف- كذلك، كواحدة من الأدلة على وقوع الفاصلة في الجملة، وليس في الآية فحسب، وبخاصة في الوقف اللازم، كما لاحظت في بعض الشواهد السابقة؛ حيث يجب الوقف على كلمة «قولهم» في الآية ٧٦ من السورة المذكورة.
ثانيا- دورها وموقعها:
إذا أردنا جلاء الدور الذي تؤديه «الكلمة» التي تختم بها الآية من القرآن- وهو أوضح لنا بطبيعة الحال من سائر الكلمات الأخرى التي قد لا تقلّ عنها أثرا في بناء الآية القرآنية، كما لاحظت من محاولة الرافعي التي أشرنا إليها- فلا بدّ لنا من الإشارة السريعة إلى البناء المجمل لهذه الآية: إنّ أدق ما يوصف به هذا البناء بأنه «محكم» وهو الوصف الذي جاء في القرآن الكريم نفسه:
الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١) فالآية القرآنية بناء قد أحكمت لبناته أوثق الإحكام، لا تحس فيها بكلمة تضيق بمكانها، أو تنبو عن وضعها | «وتأتي الفاصلة هنا متمكّنة في مكانها، مستقرة في قرارها، مطمئنة في موضعها، غير نافرة ولا قلقة! يتعلّق معناها بمعنى الكلام كله تعلقا تاما، بحيث لو طرحت اختلّ واضطرب الفهم» (١). |