العكس أقرب إلى الصواب؛ وذلك في ضوء ما أشرنا إليه في المتشابه اللفظي وفي صدر هذا الفصل.
وفي وسعنا أن نثبت هنا- بتعليق عابر- أن «الأصل» في آية سورة إبراهيم «ولا خلال» - والحديث هنا: من حيث المعنى، بالطبع- وفي آية سورة البقرة:
«ولا خلّة». والخلّة هي المودة والصداقة، فآية الجمع- ولا خلال- جاءت في سياق الأمر بإقامة الصلاة، والإنفاق مما رزقهم الله، سرا، وعلانية... قبل أن يأتي يوم القيامة الذي لا تنفع فيه المودّات والصّداقات... وبعض الناس كما هو معلوم يتهاون بأمر الصلاة في الدنيا خجلا أو مراعاة لبعض هذه الصداقات..
وبعضهم ينفق مما رزقه الله على حال دون حال من السر أو العلانية بحسب الأغراض والنيات، أو بحسب الظروف والأحوال.. كل هذا- وغيره كثير- يناسبه: «ولا خلال» تنفع هنا أو هناك!.
أما الآية الثانية فقد وردت في سياق واحد هو الأمر بالإنفاق، أو مجرد الأمر بالإنفاق مما «رزقناكم» دون ذكر كذلك لحالتي السر والعلن، فقد يكون ناسبه لذلك الإفراد.. ثم إن هذه «الخلّة» قد عطف عليها بالشفاعة.. فعاد «الجمع» الذي تحدث عنه الزركشي.. لأن الشفاعة أعلى من المودّة والصداقة.. وهذا على مذهب من يرى في مثل هاتين الآيتين أن الجمع هو الأصل، على عكس ما أشار إليه الزركشي!.. ولا «أصل» هنا أو هناك سوى مراعاة النظم، وملاحظة الدور الذي أدّته الفاصلة في المكان الذي جاءت فيه من حيث إحكام المبنى والمعنى جميعا.
(ج) وأختم لك هذه الأمثلة بشاهد ثالث لا أعلّق عليه بشيء... وإنما أدع فيه المناقشة والرد- على إيجازه- لابن قتيبة- رحمه الله-، قال تعالى: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (٤٦) [سورة الرحمن، الآية ٦٤].
قال الفرّاء: «هذا باب مذهب العرب في تثنية البقعة الواحدة وجمعها»،


الصفحة التالية
Icon