كقوله: «ديار لها بالرّقمتين» وقوله: «بطن المكّتين». قال: «وأشير بذلك إلى نواحيها (١)، أو للإشعار بأن لها وجهين، وأنك إذا وصلتها ونظرت إليها يمينا وشمالا رأيت في الناحيتين ما يملأ عينيك قرّة، وصدرك مسرّة». ثم قال: «وإنما ثنّاهما هنا لأجل الفاصلة؛ رعاية للتي بعدها على هذا الوزن. والقوافي تحتمل في الزيادة والنقصان ما لا يحتمله سائر الكلام».
قال الزركشي (٢): «وأنكر ذلك ابن قتيبة عليه، وأغلظ- قلت: وحقّ له ذلك- وقال: «إنما يجوز في رءوس الآية زيادة هاء السكت أو الألف، أو حذف همزة (٣)، فأما أن يكون الله وعد جنّتين فنجعلهما جنّة واحدة من أجل رءوس الآي فمعاذ الله! وكيف هذا وهو يصفهما بصفات الاثنين، قال: ذَواتا أَفْنانٍ (٤٨) ثم قال فيهما: فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ (٥٠).
ثم قال ابن قتيبة في تعقيب أخير لطيف: «ولو أن قائلا قال في خزنة النار:
إنهم عشرون! وإنما جعلهم الله تسعة عشر لرأس الآية؛ ما كان هذا القول إلا كقول الفرّاء!!».
وإذا كان في هذه الشواهد- التي جاءت في سياق الرد والتصويب- ما يوضح دور الفاصلة الهائل في إحكام المبنى والمعنى جميعا، بما يغني عن مزيد من العرض، في سياق الإثبات وإقامة الدليل، إلا أننا نورد هنا شاهدا، أو شاهدين؛ مكتفين بالإشارة إلى أن الطريقة السابقة التي نقلها أو لجأ إليها الزركشي قد هدتنا إلى جوانب إيجابية واسعة في هذا الباب نرجو أن نفصل فيها القول في مناسبة أخرى إن شاء الله تعالى:
(٢) البرهان ١/ ٦٥.
(٣) أي فيما يجوز مثله في سائر الكلام.