٢ - وفي الخطوة- أو المرحلة- الثانية تم تجريد ما ورد في الحديث المرفوع والموقوف من «التفسير». وقد عني بذلك قوم من التابعين حيث تخصص- اولا- كل جماعة بجمع تفسير عالم مصرهم، ثم جاءت طبقة جمعت كل أقوال الصحابة والتابعين في الأمصار المختلفة، شأنهم في ذلك شأن المحدّثين، كسفيان بن عيينة (ت ١٩٨)، ووكيع بن الجراح (ت ١٩٦)، وإسحاق بن راهويه (ت ٢٣٨)، الذين كانوا من أئمة الحديث، فكان جمعهم للتفسير جمعا لباب من أبوابه.
٣ - ثم تم بعد هذا الجمع الخاص الشامل: اعتبار التفسير علما قائما بنفسه بعيدا عن الحديث، ووضع التفسير لكل آية من القرآن بحسب ترتيب المصحف، كما فعل بقيّ بن مخلد الأندلسي (ت ٢٧٦) والإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (المتوفى سنة ٣١٠).
٤ - وهنا نصل إلى تميز المنهجين السابقين، حين وجد أن ما نقل عن النبيّ والصحابة في تفسير القرآن لم يكن يشمل جميع القرآن، وإنما كان تفسيرا لما غمض أو لما كان من «غريب» القرآن بالنسبة لهم أو لبعضهم. وكانت الحاجة إلى التفسير تزداد يوما بعد يوم، كلما بعد الناس عن عصر النبيّ والصحابة. وكلما اتسعت الفتوح وكثر اختلاط العرب بالعجم والموالي، فاجتهد المجتهدون وقامت حركة التفسير، ونشطت، واستوت على سوقها، وآتت ثمراتها... حيث ولدت مدرستان كما حصل في الفقه والتشريع «مدرسة أهل الرأي ومدرسة أهل الحديث، فتعمقت فكرة التفسير بالمأثور، والتفسير بالرأي».
٥ - ولما دوّنت علوم اللغة والنحو والفقه، وأثيرت مسائل الفلسفة