والكلام وبحثت في العصر العباسي أثّرت في علم التفسير أثرا كبيرا، وبخاصة إذا ذكرنا أن القرآن الكريم هو عماد الأمة والمجتمع والدولة... وأن عقيدة المسلمين كانت نابعة منه، وراجعة إليه، فإذا كانت حركة البدء والانطلاق والتكوين منه وفي رحابه، فإن أي أمر طارئ كذلك لا بد من أن يحكم هو فيه، لأن هذا الأمر الطارئ- كما حصل أيام الترجمة- لا يكون مقبولا، ولن تكتب له الحياة إلا بمقدار موافقته. فكتب النحاة في «إعراب القرآن» والفقهاء في «تفسير آيات الأحكام» ودخل المتكلمون- وعلى رأسهم المعتزلة- باب «التأويل» لطائفة معينة من الآيات، واصطدموا مع المحدّثين، وأسسوا ما دعي بالمنهج العقلي في تفسير القرآن، الذي يدخل إلى تفسير النص القرآني بمقدمات عقلية ومقررات فكرية مسبقة! كما حاول الصوفية أن يجدوا مواجيدهم ومذاويقهم في ظلال النصوص القرآنية بإشارات بعيدة أو قريبة فولد «التفسير الإشاري».- وقد تعرضنا لنقد هذه المناهج في مقدمتنا لرسالة ابن تيمية في اصول التفسير، وفي بعض كتبنا الأخرى- وبحسبنا هنا بمناسبة هذه الإشارة إلى التفسير الإشاري أن نفرّق فيه بين صنفين: صنف اخترعته الزنادقة ليعطلوا أحكام الشريعة، أو ليقلبوا حكمة القرآن إلى معان سخيفة- كما يقول محمد الخضر حسين- رحمه الله- وهذا باطل ببداهة العقول، وهذا الصنف يعرف عادة بالتفسير الباطني، أو تفسير أهل الباطن.
وصنف ينسب إلى الصوفية، وهو الذي يدعى عادة بالتفسير الإشاري. والفرق بين هذا التفسير وتفسير الباطنية: «أن الباطنية يفسّرون الآيات بتلك المعاني المنبوذة على أنها هي المقصود من القرآن، أما أصحاب الإشارة فيسلّمون أن المراد من القرآن تلك المعاني التي يذكرها أهل العلم بالتفسير، غير أنهم يذكرون عند تفسير الآية معاني تخطر أذهانهم عند التلاوة وإن لم تدل عليها الآية بطريق من طرق الدلالات المعروفة في الاستعمال العربي» (١).