يقدّر في أسلوب القرآن تلك التقادير البعيدة والمجازات المعقدة التي تجوز على شعر الشمّاخ والطّرمّاح، كما يقول أبو حيان في مقدمة تفسيره الواسع: «البحر المحيط» (١). ولهذا فهو أولى «المفسرين» بمراعاة ذلك التناسب، وهو في نفس الوقت أقدرهم على الكشف عنه من أقرب طريق... ومن هنا صحّ لبعض الدارسين المحدثين ما نادى به من ضرورة تقدم «الدراسة الأدبية للقرآن» لأية دراسة أخرى لهذا الكتاب الكريم (٢)،- سواء أخرجتنا هذه الدراسة من نطاق «التفسير» إلى نطاق الأدب من جميع الوجوه، أم من وجه دون وجه- تقول الدكتورة عائشة عبد الرحمن: «إن الدراسة الأدبية لأثر عظيم كهذا القرآن هي ما يجب أن يتقدم كل دراسة أخرى فيه، لا لأنه كتاب العربية الأكبر فحسب، ولكن- كذلك- لأن الذين يعنون بدراسة نواح أخرى فيه، والتماس مقاصد بعينها فيه، لا يستطيعون أن يبلغوا من تلك المقاصد شيئا دون أن يفقهوا أسلوبه الفذ ويهتدوا إلى أسراره البيانية، كيلا يختلط عليهم الأمر أو يغيب عنهم شيء من مدلول اللفظ القرآني وإيحاء التعبير به. فسواء أكان الدارس يريد أن يستخرج من القرآن أحكامه الفقهية، أو يستبين موقفه من القضايا الاجتماعية أو اللغوية أو البلاغية، أم كان يريد أن يفسر آيات الذكر الحكيم تفسيرا عاما على النحو الذي ألفناه في كتب التفسير، فهو مطالب بأن يتهيأ أولا لما يريد، ويعدّ لمقصده عدته: من فهم مفردات القرآن وأساليبه، فهما يقوم على الدرس الأدبي المتذوق، المدرك لأقصى ما يستطيع من إيحاء التعبير» (٣).

(١) كلام الله تعالى أفصح كلام، فلا يجوز فيه ما يجوّزه النحاة في شعر امرئ القيس وغيره! انظر مقدمة البحر المحيط المذكور. وراجع البرهان ١/ ٣٠٦.
(٢) الأستاذ الدكتورة عائشة عبد الرحمن في مقدمة كتابها- أو سلسلتها-: التفسير البياني للقرآن الكريم. طبع دار المعارف بالقاهرة.
(٣) التفسير البياني للقرآن الكريم للدكتورة عائشة عبد الرحمن ١/ ٧.


الصفحة التالية
Icon