كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ، وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ. وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا، وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا...
كلا ليس الأمر كما يقول الإنسان الخاوي من الإيمان. ليس بسط الرزق دليلا على الكرامة عند الله، وليس تضييق الرزق دليلا على المهانة والإهمال.
إنما الأمر أنكم لا تنهضون بحق العطاء، ولا توفون بحق المال؛ فأنتم لا تكرمون اليتيم الصغير الذي فقد حاميه وكافله حين فقد أباه، ولا تتحاضون فيما بينكم على إطعام المسكين: الساكن الذى لا يتعرض للسؤال وهو محتاج، وقد اعتبر عدم التحاضّ والتواصي على إطعام المسكين قبيحا مستنكرا. كما يوحي بضرورة التكافل في الجماعة في التوجيه إلى الواجب وإلى الخير العام، وهذه سمة الإسلام.
... إنكم لا تدركون معنى الابتلاء. فلا تحاولون النجاح فيه، بإكرام اليتيم والتواصي على إطعام المسكين، بل أنتم- على العكس- تأكلون الميراث أكلا شرها جشعا، وتحبون المال حبا كثيرا طاغيا، لا يستبقي في نفوسكم أريحية ولا مكرمة مع المحتاجين إلى الإكرام والطعام.
وقد كان الإسلام يواجه في مكة حالة التكالب على جمع المال بكافة الطرق، تورث القلوب كزازة وقساوة. وكان ضعف اليتامى مغريا بانتهاب أموالهم وبخاصة الإناث في صور شتى. وبخاصة ما يتعلق بالميراث، كما كان حب المال وجمعه بالربا وغيره ظاهرة بارزة في المجتمع المكي قبل الإسلام، وهي سمة الجاهليات في كل زمان
ومكان! حتى الآن.
وفي هذه الآيات، فوق الكشف عن واقع نفوسهم، تنديد بهذا الواقع، وردع عنه يتمثل في تكرار كلمة «كلا»، كما يتمثل في بناء التعبير وإيقاعه. وهو يرسم بجرسه شدة التكالب وعنفه.


الصفحة التالية
Icon