ملائكته ليعملوا به لا لينزلوه على أحد من البشر؛ إذ ليس كل كلامه تعالى منزلا، بل الذي أنزل منه قليل من كثير، قال الله تعالى: قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (١٠٩) [سورة الكهف، الآية ١٠٩].
وقال تعالى: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ [سورة لقمان، الآية ٢٧].
وتقييد المنزّل بكونه على «محمد صلى الله عليه وسلم» لإخراج ما أنزل على الأنبياء من قبله، كالتوراة المنزلة على موسى، والإنجيل المنزل على عيسى، والزبور المنزل على داود، والصحف المنزلة على إبراهيم، عليهم السلام.
أما قيد «المتعبّد بتلاوته» - أي المأمور بقراءته في الصلاة وغيرها على وجه العبادة- فلإخراج ما لم نؤمر بتلاوته من ذلك، كالقراءات المنقولة إلينا بطريق الآحاد، وكالأحاديث القدسية، وهي المسندة إلى الله عزّ وجلّ (١)، إن قلنا إنها منزلة من عند الله بألفاظها.
٣ - أما الأحاديث النبوية فإنها بحسب ما حوته من المعاني تقسم إلى قسمين:
قسم توفيقي، استنبطه النبيّ بفهمه ونظره في كلام الله تعالى، أو بتأمله في حقائق الكون. وهذا القسم ليس من كلام الله تعالى.
وقسم توقيفي، تلقى الرسول مضمونه من الوحي فبيّنه للناس بكلامه، وهذا القسم وإن كان ما فيه من العلوم منسوبا إلى معلمه وملهمه سبحانه، لكنه- من حيث هو كلام- حريّ بأن ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن الكلام إنما ينسب إلى

(١) الحديث القدسي هو الذي يرويه النبيّ ﷺ على أنه من كلام الله. «قال رسول الله: قال الله تعالى، أو قال رسول الله فيما يرويه عن ربه»، وقد نقلت إلينا الأحاديث القدسية على النحو الذي تم فيه نقل الأحاديث النبوية.


الصفحة التالية
Icon