باضطراب تلك الروايات، أو المراد بها أن هؤلاء هم الذين جمعوا القرآن على جميع الأوجه والأحرف والقراءات (١).
وكانوا يكتبون القرآن على الوسائل المتاحة في ذلك العصر، وهي العسب (٢) واللخاف (٣) والرقاع (٤) وقطع الأديم (٥) وعظام الأكتاف (٦) والأقتاب (٧).
والروايات الواردة تؤكد حقائق أساسية تلقي الضوء على كيفية حفظ القرآن وجمعه وكتابته في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
الحقيقة الأولى: الاعتماد على الحفظ في الصدور، وكان هذا الحفظ عاما لدى جميع الصحابة، يتسابقون إليه، ويجتمعون في المساجد لقراءة القرآن وحفظه، ولا يمكن تصور صحابي لا يحفظ بعض آيات القرآن، ويتفاوتون في مدى ذلك الحفظ، فمنهم الحفاظ ومنهم القراء، ومنهم كتاب الوحي، ومنهم من يحفظ القليل أو الكثير مما تيسر له.
الحقيقة الثانية: تأكيد كتابة القرآن في عهد النبي ﷺ وبين يدي رسول الله، عقب نزول القرآن، وكان يختص بذلك كتاب الوحي، وأسماؤهم معروفة، والروايات تؤكد أن النبي ﷺ كان يأمر بكتابة القرآن، وكان الصحابة يكتبون، ونهاهم عن كتابة السنة لئلا يقع الالتباس عليهم فيما كتبوه، حرصا منه ﷺ على سلامة النص القرآني.
الحقيقة الثالثة: ليس هناك شيء من القرآن لم يكن مكتوبا، فكل القرآن مكتوب، وكتاب الوحي متعددون، بحيث إذا غاب البعض عن مجلس رسول الله ﷺ تولى الآخرون الكتابة، ولا يتصور غياب الجميع، وبخاصة أن كتاب الوحي كانوا من أقرب الناس لرسول الله، ومنهم الخلفاء الأربعة.
(٢) العسب: جمع عسيب وهو جريد النخل وكانوا يكشفون الخرص ويكتبون على ما تحته.
(٣) اللخاف: جمع لخفة، وهي الحجارة الدقيقة أو صفائح الحجارة.
(٤) الرقاع: جمع رقعة وتكون من جلد أو ورق أو كاغد.
(٥) الأديم: الجلد.
(٦) الأكتاف: جمع كتف عظم البعير أو الشاة وكانوا يكتبون عليه بعد أن يجف.
(٧) الأقتاب: وهي الأخشاب التي توضع على ظهر البعير.