أشد تكذيبا وأكثر لحنا، يا أصحاب محمد، اجتمعوا فاكتبوا للناس إماما، فاجتمعوا فكتبوا، فكانوا إذا اختلفوا وتدارءوا في آية قالوا: هذه أقرأها رسول الله ﷺ فلانا، فيرسل إليه وهو على رأس ثلاث من المدينة، فيقال له: كيف أقرأك رسول الله ﷺ آية كذا وكذا، فيقول: كذا وكذا، فيكتبونها، وقد تركوا لذلك مكانا» (١).
قال ابن التين وغيره:
«الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان، أن جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب حملته، لأنه لم يكن مجموعا في موضع واحد، فجمعه في صحائف
مرتبا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القراءة، حتى قرءوه بلغاتهم على اتساع اللغات، فأدى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعض، فخشي من تفاقم الأمر في ذلك، فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبا لسوره، واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش، محتجا بأنه نزل بلغتهم، وإن كان قد وسع قراءته بلغة غيرهم، رفعا للحرج والمشقة في ابتداء الأمر، فرأى أن الحاجة إلى ذلك قد انتهت، فاقتصر على لغة واحدة» (٢).
وقال القاضي أبو بكر الباقلاني صاحب الإعجاز في كتابه الانتصار:
«لم يقصد عثمان قصد أبي بكر في جمع نفس القرآن بين لوحين، وإنما قصد جمعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإلغاء ما ليس كذلك، وأخذهم بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير، ولا تأويل أثبت مع تنزيل، ولا منسوخ كتب مع مثبت رسمه ومفروض قراءته وحفظه، خشية دخول الفساد والشبهة على من يأتي بعد» (٣).
(٢) انظر الإتقان، ج ١، ص ١٧١.
(٣) انظر الإتقان، ج ١، ص ١٧١، والبرهان للزركشي، ج ١، ص ٢٣٥.