وقال الحارث المحاسبي:
«المشهور عند الناس أن جامع القرآن عثمان، وليس كذلك، إنما حمل عثمان الناس على القراءة بوجه واحد على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار، لما خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات، فأما قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي نزل بها القرآن، فأما السابق إلى جمع الجملة فهو الصديق» (١).
وقال أبو الحسين بن فارس في المسائل الخمس:
جمع القرآن على ضربين:
أحدها: تأليف السور، كتقديم السبع الطوال وتعقيبها بالمئين، فهذا الضرب هو الذي تولته الصحابة.
وأما الجمع الآخر: وهو جمع الآيات في السور فهو توفيقي تولاه النبي ﷺ (٢).
وهذه النصوص واضحة الدلالة على تتابع الجهد وتكامل العمل، في رحلة جمع القرآن، وتوثيقه وتوحيد المصحف، وحسم الخلاف، وجمع كلمة المسلمين على مصحف موحد معتمد موثق لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، معتمدين في ذلك على ما كتبه كتاب الوحي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما حفظه الصحابة في صدورهم.
ويلاحظ في جمع عثمان للقرآن ما يلي:
أولا: اعتماده الكلي على مصحف أبي بكر الذي كان محفوظا لدى السيدة حفصة، ومصحف أبي بكر أعدته لجنة مختصة من حفاظ القرآن، ووقع الإجماع عليه، ولو وقع أي خلاف بين المصحفين لما ارتضاه المسلمون.

(١) انظر الإتقان، ج ١، ص ١٧١ - ١٧٢.
(٢) انظر البرهان للزركشي، ج ١، ص ٢٣٧.


الصفحة التالية
Icon