ثانيا: كلف عثمان لجنة رباعية أحد أفرادها زيد بن ثابت الذي قام بجمع القرآن في عهد أبي بكر.
ثالثا: هناك إشارة إلى أن جمع عثمان للقرآن كان يستهدف كتابة القرآن ورسم القرآن وتوحيد القراءة، «فاكتبوه بلسان قريش» وهذا دليل على أن أي خلاف لا يمكن أن يتعلق بنص القرآن، وإنما يتعلق بلغة القرآن وكتابة القرآن، وحدد لهم عثمان أنه إذا وقع أي خلاف بينهم وبين زيد فليكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، وهذا يؤكد ما ذهب إليه الباقلاني من أن ما قصد إليه عثمان هو جمع المسلمين على القراءات الثابتة المعروفة، وإلغاء ما ليس كذلك، وأخذهم بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير.
وهكذا يتبين لنا أن جمع أبي بكر كان يستهدف جمع القرآن في مصحف واحد بعد أن كان مفرقا في الرقاع، وجمع عثمان كان يستهدف توحيد القراءة، لئلا يقع اختلاف بين القراء في قراءة القرآن، والأحاديث التي رواها البخاري في سبب الجمع الأول والجمع الثاني واضحة الدلالة على الأسباب التي دفعت أبا بكر للقيام بجمع القرآن، والأسباب التي دفعت عثمان للقيام بتوحيد القراءة القرآنية لكي تكون موافقة للغة قريش.
ويبدو أن بعض المستشرقين هالهم هذا الجهد المحكم الذي قام به الصحابة في وقت مبكر من تاريخ الإسلام، منطلقين في ذلك من إيمانهم بالقرآن، مدركين واجبهم في حماية نصوصه، متطلعين لمرضاة الله، فانطلقوا كعادتهم في مثل هذه المواقف يشككون في كل رواية، ويلتمسون لأنفسهم عذرا في طعن مقدسات الإسلام، مفسرين الأحداث والمواقف تفسيرا مريبا، فتارة يكتشفون صراعا بين المكيين والمدنيين، وتارة يفسرون ظاهرة عادية بما يحقق أغراضهم من إثارة الشبهات.
وأفضل رد على هؤلاء تجاهل ما يثيرونه من شبهات، وبخاصة تلك الشبهات التي لا يقوم عليها دليل، ولا تؤيدها حجة، لأن غايتهم الأولى من إثارة تلك الشبهات إشغال
المسلمين بالرد عليها، وأنهاكهم بتتبعها، وإيصال صداها إلى المجتمعات الإسلامية لكي تكون في موطن النقاش والجدال.


الصفحة التالية
Icon