٧ - افتتح الله السور بهذه الأحرف للدلالة لكل حرف منها على معاني كثيرة، ويجوز أن يكون الافتتاح بهذه الأحرف لتحقيق هذه المعاني كلها، كالدلالة على أسماء الله، ولإثارة الانتباه إلى قراءة القرآن، وللإعجاز بها.
٨ - للدلالة على أن القرآن مؤلف من حروف، وإن هذا الأسلوب يدفع العرب للبحث عن أوجه الحكمة من هذا الافتتاح، وتلمس جوانب الإعجاز.
وهذه بعض الأقوال، وهناك أقوال أخرى، والواضح في هذه الأقوال تلمس وجه الحكمة بكل المعاني والدلالات المحتملة، والأفضل في هذا الموطن أن ينظر فيه في إطار مظاهر الإعجاز البياني الذي تحدى الله به العرب، ولا يمكن معرفة وجه الحكمة، لأن ذلك مما يخرج عن إطار القدرة العقلية، فالقدرة العقلية تحكمها معايير مادية، ولا سبيل إلى معرفة الحكمة في القضايا التوقيفية، لعجز العقل عن إدراك الحقيقة، ولا تدرك الحقيقة إلا بالنقل، والنقل لا يثبت إلا بدليل، وتعدد الرأي في الأمر دليل على عدم وجود دليل نقلي عن النبي ﷺ يوضح هذه الحكمة، ويفسر هذه الظاهرة القرآنية.
وما أجمل أن تظل مظاهر الإعجاز معجزة على الفهم، يقف المفسرون أمامها عاجزين لا يقدرون على شيء من فهمها، وتظل آراؤهم واجتهاداتهم قاصرة عن إدراك جوانب العظمة في القرآن الكريم، في فواتح السور وخواتمها، في حروف التهجي، في رسم القرآن، في كل متشابه، يؤكد عظمة الإعجاز، وسمو النص القرآني، وما أجمل أن تظل الم، المص، المر، حم، طسم، وطه، وق آيات محكمات معجزات، يدرك العقل عظمة الحرف في أداء معناه، وتدرك الفطرة ما لا يدركه العقل من جوانب الفهم، ويقف أصحاب القلوب اليقظة خاشعين ينصتون إلى صوت القارئ وهو يردد هذه الأحرف الناطقة، فيفهمون بقلوبهم وفطرتهم ما لا يفهمه العقلاء من العلماء الذين حجبهم علمهم عن إدراك كثير من الحقائق، وانصرفت هممهم إلى استنطاق الأحرف الصامتة، والأحرف لا تنطق، لأنها تخاطب القلوب ولا تخاطب العقول، وما أقسى حجاب العقول وهي تصرف الهمم عن الفهم الصحيح إلى استعمال أقيسة ضيقة الأفق، لا تلهم