مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ [الحج: ٥٢] ويفيد معنى الإبطال، يقال: نسخت الشمس الظل أي أزالته، ونسخت هذا الكلام أي أبطلته ومعنى الإزالة واضح في النسخ.
المعنى الثاني: النقل والتبديل والتحويل: يقال: نسخت الكتاب إذا نقلت ما فيه حاكيا لفظه وخطه، ويأتي بمعنى التبديل، وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ [النحل: ١١٠] واستعملت كلمة النسخ في المصطلح الفقهي بمعنى التحويل، كتناسخ المواريث أي تحويل الميراث من واحد إلى آخر.
وجاءت لفظة «النسخ» في الاصطلاح بمعنى: «رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي» وكلمة «الرفع» دقيقة المعنى، لأنها تعبر عن المعنى الحقيقي لمعنى النسخ والغاية منه، وكلمة الرفع أدق من كلمة الإزالة والتبديل والنقل والتحويل، فالنسخ هو رفع حكم شرعي بدليل، وكلمة النسخ أدق من كل كلمة تفسيرية، إذ لا يمكن لأية كلمة أن تفيد المعنى المطلوب، وعلم الناسخ والمنسوخ هو العلم الذي يبحث في ظاهرة رفع الأحكام الشرعية السابقة بأحكام شرعية لا حقة.
وهنا نتوقف قليلا عند مفهوم النسخ، فقد يكون النسخ الظاهر بيانا لا حقا للحكم الشرعي الأول، وبخاصة في حالات عدم وجود تعارض حقيقي في الأحكام المتعاقبة المتلاحقة ولا مجال للقول بوجود النسخ مع وجود البيان المتمم للحكم، إذ لا يمكن القول بوجود نسخ في قوله: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ، عن طريق اصطناع فصل بين أجزاء الآية، فالكلام متصل ومتكافل وواضح، ولا يتضح الحكم بعد أن يكتمل الخطاب.
ولا يمكن تصور النسخ إلا في حالات محدودة، حيث يبرز النسخ كحقيقة لا يمكن إنكارها، كما في حالات نسخ التلاوة، وهذا نسخ حقيقي، لا مجال لإنكاره، وهناك نسخ حكم سابق بحكم لاحق، إذا تعذر الجمع بين الحكمين، ولا أظن أن توسيع دائرة النسخ في القرآن من الأمور المطلوبة، فالأصل أن يكون كل ما في القرآن خطابا للمكلفين، إلا ما ثبت نسخ حكمه.