ولا فائدة في مناقشة ما أثاره العلماء في موضوع النسخ من استحالة البداء على الله، لأنه يتضمن ظهورا بعد خفاء وتغييرا في الرأي، وذلك جدل غير مفيد، وأمر النسخ واضح الحكمة، جلي الفائدة، وهو منهج تشريعي، لا بد منه، لمواكبة سير الدعوة، وإقرار أحكام تحقق المصلحة، وتنسجم مع المرحلة الزمنية، وإذا سلمنا بمبدإ الإيمان بالله، وبما جاء من عند الله وجدنا أنفسنا في حلّ من تفسير ظاهرة النسخ وكثير من الظواهر المتعلقة بالرسالة والقرآن تفسيرا عقليا يخل في معظم الأحيان بقدسية
المعاني الإيمانية، ويجعل المؤمن في موقف التساؤل والوصاية على ما لا يجوز أن يتدخل فيه أو يناقشه من أمور دينه وعقيدته.
إن منهجا جديدا في دراسات الفكر الإسلامي يعتمد على طرح ذلك المنهج الجدلي المكرر والمحفوظ جدير بأن يسهم في تطور فكرنا الإسلامي، فلا نناقش فيه ما قاله اليهود والنصارى، وكأنهم أوصياء على فكرنا، ولا نضيع وقتنا في جدل مع علماء الكلام في قضايا تجاوزها منهج السلف ولم يقف عندها، لأن الحوار فيها لا يؤدي إلى نتيجة، وربما يثير قضايا جديدة، تشغل العلماء بما هو غير مفيد من أنواع الحوار.
أنواع النسخ:
قسم علماء القرآن النسخ إلى أنواع:
النوع الأول: ما نسخت تلاوته وحكمه معا:
قال أبو بكر الرازي: نسخ الرسم والتلاوة إنما يكون بأن ينسيهم الله إياه ويرفعه من أوهامهم ويأمرهم بالإعراض عن تلاوته وكتبه في المصحف، فيندرس على الأيام كسائر كتب الله القديمة التي ذكرها في كتابه في قوله: إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٨) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى «ولا يعرف منها اليوم شيء» (١).
وأورد السيوطي ما روته عائشة: «كان فيما أنزل «عشر رضعات معلومات

(١) انظر البرهان، ج ٢، ص ٤٠.


الصفحة التالية
Icon