فنسخن بخمس رضعات، فتوفي رسول الله ﷺ وهن مما يقرأ من القرآن» رواه الشيخان، وقد تكلموا في قولها: وهي مما يقرأ: «مما يفيد بقاء التلاوة، وأجيب بأن المراد أن النسخ تم قبل الوفاة، ولم يبلغ كل الناس بذلك، فتوفي رسول الله ﷺ وبعض الناس يقرؤها» (١).
النوع الثاني: ما نسخ حكمه وبقيت تلاوته:
وهذا النوع هو الذي وقع الاهتمام به، وألّفت المؤلفات فيه، وانصرف إليه العلماء، وكتب ابن العربي المعافري كتابه: الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم في هذا النوع من النسخ، نظرا لاختلاف مدلوله، وتعدد الآراء فيه، وسبب الاختلاف في هذا النوع من النسخ أن القراءة باقية، ولم تنسخ، فتوسع العلماء في فهم معنى النسخ وشموله، والتبس عليهم الأمر بين التخصيص والنسخ، فاعتبروا التخصيص نسخا، وهذا تجاوز.
ومما ذهب إليه بعض العلماء في هذا المجال أنهم اعتبروا آيات القتال ناسخة لكل الآيات الواردة في القرآن التي تتضمن العفو والصفح والصبر، وأن تلك الآيات الداعية إلى قتال المشركين عامة وشاملة، فلا مجال بعدها للمهادنة أو المجادلة أو الصبر أو الصفح أو الإمهال، وذكر ابن العربي في كتابه الناسخ والمنسوخ أكثر من سبعين آية منسوخة بآيات القتال، كما ذكر الآيات التي نسخ حكمها وبقيت تلاوتها.
وأورد ابن العربي الآيات التي نسخ حكمها، وبقيت تلاوتها، ومن هذه الآيات ما يلي:
الآية الأولى: قال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة: ١٨٠].
قال ابن العربي في هذه الآية:
«قال علماؤنا وابن القاسم عن مالك: هذه الآية نزلت قبل الفرائض ثم

(١) انظر الإتقان، ج ٣، ص ٦٣.


الصفحة التالية
Icon