أنزل الله الفرائض في المواريث، فنسخت الوصية للوالدين ولكل وارث إلا أن تأذن الورثة في شيء فيجوز» واتفق الكل على أنها منسوخة واختلفوا في ناسخها على أربعة أقوال (١):
الأول: إن ناسخها آية المواريث.
الثاني: إن ناسخها قوله تعالى: وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً [النساء: ٨].
الثالث: إنه نسخها أن الله تعالى أعطى كل ذي حق حقه ولا وصية لوارث.
الرابع: إنه نسخها بإجماع الأمة على إبطالها وأن الوصية لا تجوز لأحد ممن سمى الله له فرضا معروفا أو جعل النبي ﷺ له حقا مفروضا.
وقد ناقش ابن العربي هذه الأقوال الأربعة وردها، ولم يعتبرها ناسخة للآية الأولى، فآية المواريث لا تتعارض مع آية الوصية، ومن شروط النسخ التعارض، ولا يعرف المتقدم والمتأخر من الآيتين، وآية القسمة لا تصلح لنسخ آية الوصية لعدم التعارض أيضا، ولا يصلح الخبر «لا وصية لوارث» لنسخ الآية، لأن الآية أقوى من هذا الخبر من حيث الصحة، ولا بد في النسخ من التماثل بين الناسخ والمنسوخ، أما الإجماع فلا يصلح لنسخ الآية، لأن الإجماع لا ينسخ أصلا لأنه ينعقد بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وفرق بين الإجماع الذي ينعقد على نظر، والإجماع الذي ينعقد على أثر، فما انعقد على نظر لا يصلح للنسخ، وما انعقد على أثر جاز أن يكون ناسخا، ويكون الناسخ الخبر الذي انبنى عليه الإجماع، وعندئذ تكون الأمة قد أجمعت على إسقاط الوصية للوالدين لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا وصية لوارث» (٢).
الآية الثانية: قال تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ
(٢) نفس المصدر، ج ٢، ص ١٩.