- والثاني: أن النسخ غالبا ما يكون لتخفيف، فبقيت التلاوة تذكيرا للنعمة ورفع المشقة (١).
النوع الثالث: ما نسخ تلاوته دون حكمه:
أخرج ابن حبان في صحيحه عن أبيّ بن كعب قال: كانت سورة الأحزاب توازي سورة النور، فكان فيها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما، وقال عمر: «لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها بيدي» رواه البخاري في صحيحه معلقا، ولو كانت التلاوة باقية ولم تنسخ لبادر عمر إلى كتابتها في المصحف، ولم يعرج على مقال الناس (٢).
وروى مسلم في صحيحه عن أبي موسى الأشعري: إنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها، غير أني أحفظ منها «لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب» (٣).
وهنا طرح الزركشي في البرهان سؤالا وهو أن يقال:
«ما الحكمة في رفع التلاوة مع بقاء الحكم، وهلا أبقيت التلاوة ليجتمع العمل بحكمها وثواب تلاوتها، ونقل جواب ابن الجوزي صاحب كتاب فنون الأفنان في عجائب علوم القرآن على هذا التساؤل بقوله: إنما كان كذلك ليظهر به مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن من غير استفصال لطلب طريق مقطوع به، فيسرعون بأيسر شيء، كما سارع الخليل إلى ذبح ولده بمنام، والمنام أدنى طرق الوحي» (٤).
ومما لا شك فيه أن النسخ وقع في القرآن الكريم، والأدلة النقلية تؤكد وقوع النسخ، والنسخ دليل صحة، وهو ظاهرة عظيمة الدلالة على عظمة منهج الإسلام في التشريع، إلا أنه يجب أن تحدد مواطن النسخ في القرآن، فيما لا يمكن إيجاد
(٢) انظر البرهان، ج ٢، ص ٣٦.
(٣) انظر البرهان، ج ٢، ص ٣٧.
(٤) المصدر نفسه.