النتيجة فهي لاحقة ومتأخرة، ولا شك أن الرسم القرآني بصورته العثمانية أدى إلى زيادة الاعتماد على الحفظ وشجع عليه، لأن من الصعب على غير حفظة القرآن والمتقنين لتلاوته أن يقرءوه قراءة سليمة.
قال ابن درستويه:
خطان لا يقاس عليهما: خط المصحف، وخط تقطيع العروض.
وقال أبو البقاء في كتاب اللباب:
«ذهب جماعة من أهل اللغة إلى كتابة الكلمة على لفظها إلا في خط المصحف، فإنهم اتبعوا في ذلك ما وجدوه في الإمام، والعمل على الأول» (١).
ومما لا شك فيه أن الرسم القرآني له خصوصية ذات صفة معنوية، وهي غير محكومة بمعايير مادية، ويمكن تلمس بعض آثارها في مجال القراءة المتعددة للألفاظ، ومراعاة القراءات واللهجات العربية وسعة الدلالات في مجال الزيادة والنقصان، إلا أن الهدف الأسمى والأعلى لا يمكن إدراكه بالمعايير، وإنما يمكن إدراكه بالفطرة، وبما يشعر به قارئ القرآن في المصحف العثماني من تميز الرسم القرآني، وخصوصيته الشكلية والرمزية وتعبيره الأدق عن إعجاز بياني عظيم الوضوح في اللفظة العربية والرسم المعبر عن ذلك، حتى أن قارئ القرآن يشعر بقدسية الرسم القرآني وهيبة ذلك الرسم، ولا يشعر بمثل ذلك في غياب ذلك الرسم المميز والمعبر.
إن الرسم القرآني أصبح جزءا من ذاتية القرآن، وهو مظهر من مظاهر القدسية التي يشعر بها القارئ، فكلمة «الرحمن» والصلاة، والزكوة، وحم، والم، وطه، ويس... » كل ذلك يعبر عن قدسية ويجسد مشاعر دينية ويغذي في النفس شعورا بالأمن والراحة، ولو كتبت هذه الكلمات وفق القاعدة الإملائية لفقدت الكثير من دلالاتها، ولهذا لا نملك إلا أن نعترف بخصوصية لا محدودة للرسم العثماني، مما يؤكد التوقيف في بعض معالم ذلك الرسم، إذا لم يكن توقيفيا كليا