والأمر في جميع الأحوال لا يترتب عليه شيء، فالمصاحف موحدة ونصوصها واحدة، ولا مجال للتفريق أو الاختلاف، بين المصاحف العثمانية والمصاحف التي كتبت بعد ذلك حتى اليوم، ولم يلق كتاب من أوجه العناية والرعاية والضبط ما لقيه القرآن، سواء في عصر النبي ﷺ وعصر صحابته أو في العصور اللاحقة، فالقرآن واحد في جميع العصور، ولدى جميع المذاهب الإسلامية، وحتى من اعترض على ذلك من بعض المذاهب الإسلامية متهما «عثمان» بالتحيز، طاعنا في قراره بإحراق المصاحف الأخرى، فإنه سرعان ما يعترف بأن مصحف عثمان هو أدق المصاحف وأصحها، وأن المصاحف التي أمر بإحراقها لم يبذل فيها من وسائل الضبط والدقة ما يجعلها في مستوى مصحف الإمام الذي أجمعت الأمة على قبوله، وأجمع الصحابة على مطابقته لمصحف أبي بكر الذي اعتمد في جمعه على كتاب الوحي وحفظة القرآن.
حكم النقط والتحلية:
روى الحافظ ابن أبي داود السجستاني المتوفى سنة ٣١٦ هـ في كتابه المصاحف، روايات كثيرة عن الصحابة والتابعين تؤكد كراهيتهم لتصغير المصحف والتعشير والفواتح، وروى عنه قوله: لا تكتب المصاحف صغارا، وروي عن سفيان الثوري قوله: كانوا يكرهون النقط والتعشير وإحصار السور، وروي عن عبد الله بن مسعود قوله: جردوا القرآن ولا تخلطوا به ما ليس منه، وروى شعبة عن أبي رجاء قال: سألت محمد بن سيرين عن المصحف ينقط بالنحو قال: أخشى أن يزيدوا في الحروف (١).
ويبدو من الروايات أن كراهية النقط ليست لذات النقط، وإنما كانت بسبب الخوف من زيادة في القرآن، ولهذا نسب إلى ابن سيرين قوله: لا بأس بنقط المصحف (٢).
(٢) انظر كتاب المصاحف لابن أبي داود، ص ١٤٣.