«كان واحد عصره غير مدافع، وكان مع فضله وعلمه وديانته ومعرفته بالقراءات وعلم القرآن حسن الأدب، رقيق الخلق، كثير المداعبة، ثاقب الفطنة جوادا»، وكانت حلقات دروسه غاصة بالقراء، يتعلمون منه علم القراءات.
واختار ابن مجاهد سبع قراءات، اعتبرها القراءات التي وقع الاتفاق عليها، وهي منسوبة لسبعة قراء، ولكل قارئ منهم سنده في روايته، وحجته فيما يقرأ، واختار قراءة السبعة من قراء الحجاز والعراق والشام ممن أتقن القراءة، وتعلم أصولها وقواعدها.
وانتقد بعض العلماء «ابن مجاهد»، لأنه اختار سبعة قراء وكان بإمكانه أن يضيف إليهم بعض القراء الآخرين الذين لا يقلون عنهم مكانة، وقراءتهم لا تختلف عن القراءات السبع من حيث الدقة والصحة والشهرة والضبط، فضلا عما أدى إليه اختيار هذا العدد من لبس واشتباه لدى عوام الناس الذين لم يفرقوا بين القراءات السبع والأحرف السبعة، وبينهما فرق كبير..
وقد وضع العلماء مقاييس دقيقة للقراءة القرآنية الصحيحة، وبمقتضى هذه المقاييس تتسع دائرة القراءات الصحيحة.
مقاييس القراءات الصحيحة عند ابن الجزري (١):
المقياس الأول: موافقة العربية ولو بوجه:
الأصل في القراءة الصحيحة أن تكون موافقة لقواعد اللغة العربية، نظرا لأن القرآن نزل بلغة عربية، ولا يتصور أن تكون هناك قراءة ليست متلائمة مع القواعد النحوية، ومع هذا فإن علماء القراءات يعتمدون في صحة القراءة القرآنية على الإسناد الصحيح، ولا يبحثون عن مطابقة القراءة للقواعد النحوية، قال «الداني»:
«وأئمة القراءة لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل، والرواية إذا

(١) انظر تفصيل ذلك في معجم القراءات القرآنية ص ٩٨ - ١١٠، وانظر تفصيل ذلك في كتاب النشر في القراءات العشر لابن الجزري ج ١، ص ٩، طبعة دار الكتب العلمية.


الصفحة التالية
Icon