جاء الوليد بن المغيرة إلى النبي ﷺ فقرأ عليه القرآن، فكأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال: يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا ليعطوكه،
فإنك أتيت محمدا لتعرض لما قبله، قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالا، قال: فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك كاره له، قال: وماذا أقول، فو الله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني، ولا برجزه، ولا بقصيده، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، والله إن لقوله الذي يقول حلاوة وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، وإنه ليحطم ما تحته، قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه، قال: دعني حتى أفكر، فلما فكر قال: هذا سحر يؤثر يأثره عن غيره (١).
قال الزركشي في البرهان:
ولا خلاف بين العقلاء أن كتاب الله معجز، واختلفوا في إعجازه فقيل: إن التحدي وقع بالكلام القديم الذي هو صفة الذات، وأن العرب كلفت في ذلك ما لا تطيق، وفيه وقع عجزها، والجمهور على أنه إنما وقع بالدال على القديم وهو الألفاظ، فإذا ثبت ذلك فاعلم أنه لا يصح التحدي بشيء مع جهل المخاطب بالجهة التي وقع بها التحدي (٢).
ثم قال بعد ذلك الإعجاز في القرآن العظيم إما أن يعني بالنسبة إلى ذاته أو إلى عوارضه من الحركات والتأليف أو إلى مدلوله أو إلى المجموع أو إلى أمر خارج عن ذلك، لا جائز أن يكون الإعجاز حصل من جهة ذوات الكلم المفردة فقط لأن العرب قاطبة كانوا يأتون بها، ولا جائز أن يكون الإعجاز وقع بالنسبة إلى العوارض من الحركات والتأليف فقط... ولو كان الإعجاز في الإعراب والتأليف المجرد لم يعجز صغيرهم عن تأليف ألفاظ معربة فضلا عن كبيرهم، ولا جائز أن يكون بالنسبة إلى المعاني فقط، لأنها ليست من صنيع البشر، وليس لهم قدرة على إظهارها، من غير ما يدل عليها، ولا جائز أن تكون إلى المجموع
(٢) انظر البرهان، ج ٢، ص ٩٢.