وتساءل الجرجاني في معرض حديثه عن إعجاز القرآن، ماذا أعجز العرب، هل أعجزهم لفظ القرآن أم أعجزهم معناه، لا شك أن ما أعجز العرب «هو تلاقي اللفظ والمعنى معا»، فلا مجال للإعجاز في لفظ دون معناه، ولا مجال للإعجاز في معنى دون لفظ، فالإعجاز هو نتاج علاقة تكاملية بين اللفظ والمعنى، ولا يمكن تصور الفصاحة في إطار لفظ دون معنى، فالصورة البيانية هي نتاج لفظ معبر ومعنى يجسد الصورة، ويعطي للألفاظ أبعادها وصورها وجمالها، فاللفظة المفردة لا يمكن أن تكون معجزة، لأنها تظل قاتمة صامتة لا تنطق والمعنى العظيم هو الذي ينطق اللفظ ويجعل له لسانا معبرا، وعند ما يتحدث أهل البيان عن الألفاظ الجميلة والألفاظ القلقة والمستكرهة، فإنهم لا يقصدون على وجه التأكيد مجرد اللفظ، فاللفظ لا يمكن وصفه بدقة إلا في إطار ملاءمته لمعناه المراد، وحسن انسجامه مع الألفاظ الأخرى في الجملة الواحدة بحيث يصبح الكلام معبرا أحسن تعبير عن معنى مراد.
وبالرغم من اهتمام الجرجاني بالتلاؤم والانسجام والتوافق بين اللفظ والمعنى فإنه لا يتجاهل أهمية اللفظ، فاللفظ هو الأداة الأولى للتعبير، وهو الجانب الواضح في النظم، وهو معيار ضروري لجودة الكلام وفصاحته وبيانه، فاللفظة تجد مكانها المناسب والمعنى الدقيق يبحث عن لفظ معبر، ولولا ذلك اللفظ لما ظهرت المعاني ولما برزت الفصاحة، فاللفظة تقع في الجملة معبرة مجسدة مصورة مبينة ناطقة، وكأنها تصور المعنى تصويرا، وترسم الملامح بدقة، فتكون أكثر قدرة على التأثير، فلا يستطيع القارئ أو السامع إلا أن يجد فيها المعنى الذي يريد أو تحدثه هي عن المعنى المراد.
وفي مثل هذه المواقف لا يملك الإنسان إلا أن يقف بإعجاب أمام اللفظة المعبرة عن المعنى، وينظر في النظم فيجد التلاؤم والتكافل والتعاهد بين اللفظة واللفظة، وكأن كل لفظة تقود إلى أخرى مجسدة الصورة البيانية، معبرة عن معنى أراده الكلام.