والمقامات لا تدرك إلا بالذوق فالفرق بين الفصيح والأفصح والرشيق والأرشق في الكلام لا يمكن إقامة دليل منطقي عليه، وذكر «ابن أبي الحديد المدائني» صاحب شرح نهج البلاغة أن ذلك بمنزلة جاريتين إحداهما بيضاء مشربة حمرة، دقيقة الشفتين، نقية الشعر، كحلاء العين، أسيلة الخد، دقيقة الأنف، معتدلة القامة، والأخرى دونها في هذه الصفات والمحاسن ولكنها أحلى في العيون والقلوب منها، وأليف وأملح، ولا يدري لأي سبب كان ذلك، ولكن بالذوق والمشاهدة يعرف، ولا يمكن تعليله، وهكذا الكلام.. وإذا كان الجمال الظاهري يدرك بالعين المجردة فإن جمال الكلام لا يدركه إلا أهل البيان، وممن اشتغلوا بهذا الفن من العلوم (١).
من وجوه الإعجاز عند السيوطي:
ومن وجوه الإعجاز التي ذكرها «السيوطي» في كتابه الإعجاز ما يلي (٢):
أولا: اشتماله على مختلف العلوم، وبالغ بعضهم في ذلك، واعتبر العلوم المستنبطة من القرآن بقدر حروف القرآن.
ثانيا: حسن تأليفه والتئام كلمه وخصاصتها ووجوه إيجازه وبلاغته الخارقة عادة العرب الذين هم فرسان الكلام وأرباب هذا الشأن فجاء نطقه العجيب وأسلوبه الغريب مخالفا لأساليب كلام العرب ومنهاج نظمها ونثرها الذي جاءت عليه.
ثالثا: احتواؤه على جميع لغات العرب، وقال ابن فارس: لو كان فيه من لغة غير العرب شيء لتوهم متوهم أن العرب إنما عجزت عن الإتيان بمثله، لأنه أتى بلغات لا يعرفونها...
وقال أبو عبيد: إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين، فمن زعم أن فيه غير العربية فقد أعظم القول، ومن زعم أن كذا بالنبطية فقد أكبر القول، وقد اهتم
(٢) انظر معترك الأقران في إعجاز القرآن الجزء الأول.