علماء اللغة بهذا الموضوع ولا خلاف بينهم في أن القرآن نزل بلسان عربي مبين، وما استعمله القرآن من ألفاظ أعجمية لا يغير من هذه الحقيقة، فهذه الألفاظ سواء كانت عربية صرفة أو استعملت في العربية وشاعت أصبحت في حكم العربية، وجرت مجرى العربي الفصيح، وطالما أن البيان وقع بها، واتضحت معانيها فهي في حكم الألفاظ العربية، ولا عبرة بالبحث عن أصول اللفظة، وهذه الكلمات ذات الأصل العجمي كانت واضحة الدلالة، معبرة عن المعنى المراد، ولو قام مقامها لفظ عربي فصيح لما كان اختارها القرآن، وما اختيرت إلا لإتمام البيان وإكماله، ولو جاءت نشازا في سياق النظر لوضح الأمر وبان، وكما استعمل القرآن كلمات من أصول عجمية قد استعمل ألفاظا من غير لغة الحجاز، كالأرائك والمرجان بلغة أهل اليمن وهناك كلمات كثيرة جاءت في القرآن بلغة كنانة وهذيل وحمير وجرهم وكنده ومزينة واليمامة وجذام وخزاعة وتميم وغيرها من القبائل العربية، وتخصص بعض العلماء في هذا الموضوع وألفوا منه، ومنهم أبو عبيد القاسم بن سلام والواسطي، ونزول القرآن بلغة قريش هو الأغلب، لأن لغة قريش هي الأيسر والألين في النطق فليس فيها الغريب والوحشي الشاق في مجال النطق..
رابعا: تعدد أوجه الخطاب القرآني (١) فالخطاب في القرآن متعدد في أسلوبه بحسب المخاطب وطبيعة الموقف، فهناك خطاب التهكم «ذق إنك أنت العزيز الكريم» «وخطاب الكرامة» «يا أيها النبي» «يا أيها الرسول»، وخطاب التحبب «يا أبت لم تعبد الشيطان»، وخطاب التعجيز «فأتوا بسورة»، وهناك خطاب الجنس البشري وخطاب النوع، والخطاب العام المراد به الخصوص، والخاص المراد به العام، وتعدد الخطاب واضح الدلالة على تحقيق المراد والتأثير في المخاطب، ولا يتصور أن يكون الخطاب القرآني عاما موحدا، فليس هذا من الفصاحة أو البيان يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ، يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ.