قال تعالى:
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ [القلم: ٤٨ - ٤٩].
والقصة في القرآن تساق لغاية معينة، ولهذا يذكر من عناصر القصة ما يخدم تلك الغاية، ويحقق الغرض من إيراد القصة فالزمن لا يذكر غالبا إلا عند ما يمثل الزمن عنصرا من عناصر التعبير والتصوير، كقوله تعالى في حالة إخوة يوسف:
وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (١٦) قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ [يوسف: ١٦ - ١٧].
وتصور القصة في القرآن الحدث وكأنه واقع فعلا، وتهيئ الأسباب النفسية لكي ينفعل القارئ بالحدث، ويعيش معه، ويراه أمامه كمشهد حي ناطق، وليس مجرد صورة جامدة ميتة، فليست الغاية القصة ولا المشهد وإنما الغاية إيراد قصة أو مشهد منها للتعبير عن معنى معين ينسجم مع أغراض القرآن في إبراز الصراع الدائم بين الحق والباطل، وتصوير حالة المشركين والطغاة وهم يدافعون عن مواقعهم أمام دعوة الأنبياء التي تهدف إلى تحرير المفاهيم الإنسانية وتصحيح العادات والقيم الاجتماعية، وخلق الإنسان يليق بخلافة الله في الأرض، فلا يطغى ولا يظلم ولا يذل ولا يسقط في هاوية الضلال..
ولو تأملنا في قصة الرجلين اللذين يملك أحدهما جنتين من أعناب، وتابعنا ذلك الحوار الرفيع المعبر عن عظمة القرآن في تقريب المعاني من الأذهان، وفي تصوير القيم الخالدة تصويرا رائعا، ما أعظم ذلك الحوار بين غافل عن الحق ظالم لنفسه دفعته غفلته إلى أن يعتز بماله ورجاله، ودخل جنته وهو يفخر بما يملك، وينظر نظرة صغار واحتقار لصاحبه المؤمن، ويقف المؤمن وقفة إيمان ونصح، ويقول له: أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ثم يقول بلهجة الواثق من ربه فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (٤٠) أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً.
وفجأة... يأتي أمر الله.. وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها