ولا يتصور الدين إلا في هذا الإطار من المبادئ والمثل، ولهذا اضطهد الأنبياء والرسل وحوربوا ووقع الاعتداء بهم، ووقفت قوى الجاهلية المتمثلة في أصحاب السلطة والمكانة والمال الذين وجدوا في الدين محررا للمستعبدين ورافعا الظلم عن المظلومين، ومتحالفا مع الضعفاء والمحكومين، معترفا لكل هؤلاء بكرامة إنسانية غير منقوصة، رافعا من شأنهم، واضعا قيما اجتماعية تعطي الأفضلية للمتقين والصالحين.
وسنة الأنبياء واضحة، وتعاليمهم متكاملة، وشرائعهم واحدة، تنطلق كلها من منطلق واحد، وتنهل من معين السماء، إيمانا بالله وبما جاء من عنده، والتزاما بمنهج الله في الحياة، استقامة وعدلا.
وظاهرة الوحي ملفتة للنظر داعية للاهتمام، وهي ليست صورة مادية يحاكمها العقل، ويرتضيها أو يرفضها، لأنها خارجة عن نطاق المدركات العقلية، والعقل السليم لا يمكنه أن يرفض هذه الظاهرة، لأنه يدرك حجم قدراته، ويتوصل بهذه القدرات المحدودة إلى التسليم بما هو خارج عن نطاقه الحسي، والحس محكوم بدائرة ضيقة، ولا يمكنه أن يحيط بالكون، وما أثبته العلم اليوم عن طريق الوسائل العلمية والبراهين المادية هو جزء يسير من حقيقة الكون، وما عجز عنه الإنسان لا يقاس بما قدر عليه.
ويكفينا في مجال الوحي أن نستعمل عقولنا في دراسة الظاهرة من خلال ما نراه منها من معرفة واسعة لشخصية الرسل، وسيرتهم، وحياتهم وسلوكهم وأفكارهم، ومثل هؤلاء لا يمكن إلا أن تقع الثقة بما يقولون، وأن يقع الاطمئنان لما يدعون، وما يدعون إليه ليس فيه ما يطمع نفسا أو يحقق رغبة، فدعوة الرسل هي دعوة خير وهداية وتحرير وإرشاد وتعليم، وكيف يصح لعاقل أن يتردد في قبول كلمة حق سمعها أو دعوة لهداية تلقاها.
لو كان الأنبياء ممن عرفوا في قومهم بسوء الخلق لما صدقهم أحد، ولما اتبع ملتهم أحد، ولو كان أمرهم صادرا عن هوس وهذيان يتراءى لهم فيه الشيطان لما خفي أمرهم على مجتمعهم، ولما اطمأن المجتمع إلى كلامهم، ولو