الثانية: مواكبة الوحي لحركة المجتمع الإسلامي الوليد، لكي يكون ذلك المجتمع في موطن الرعاية والاحتضان، فلا يضيق ذلك المجتمع بهمومه ومشاكله، وكلما ضاق به الأمر والتبس عليه السبيل وجد في الحي مرشدا وهاديا، فتطمئن القلوب بعد يأس، وتأنس بعد قلق ووحشة، وتواصل طريقها مطمئنة راضية مرضية، وكيف يمكن للقرآن أن ينزل مرة واحدة، ويتوقف الوحي، تاركا رسول الله تائها في خضم تحديات قاسية، لا يعرف كيف يواجهها، وهل كان يمكن للوحي أن يتنزل بتشريع تفصيلي في الأيام الأولى والمسلمون في محنة، تستهدف عقيدتهم وحياتهم، وهل كان يمكن للوحي أن يتحدث عن قضايا لم تقع بعد، فيجيب عنها.
لا شك أن الوحي كان عظيم الأثر في حياة المسلمين، كان الملهم والمرشد، والموجه والمعلم، وهنا تبرز شخصية «محمد» البشرية وهي تستقبل الوحي، ولا تملك تلك الشخصية إلا أن تمتثل لما تؤمر به، وهي لا تملك إلا أن تبلغ الرسالة، كما جاءت.
ويقف «محمد» صلى الله عليه وسلّم أمام قومه يسمع كلامهم الساخر، ائت بقرآن غير هذا أو بدله، ويأتيه الوحي معلما ومجيبا، وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١).
ولا يملك محمد صلّى الله عليه وسلّم أن يدعي لنفسه شيئا، فهو بشر كسائر البشر في خلقه وتكوينه، وهو مكلف بما يكلف به غيره، إلا أنه يوحى إليه، والوحي هو الخصوصية التي خصه الله تعالى بها، وأكرمه بما خصه به، وجعله سيد المرسلين وخير الناس قاطبة، وأناط به مهمة الدعوة إلى الله، وهو لا يملك لنفسه نفعا ولا