وتتلاحق المواكب والأجيال، كل جيل يضع لبنة في صرح هذا التراث العلمي العظيم، معليا بها ذلك الصرح، مضيفا إلى جهود العلماء السابقين إضافة جديدة، في رحلة موفقة من جاهلية قاتمة المعالم، ضيقة الأفق قليلة العطاء إلى حضارة منيرة مشعة، وجدت في المعرفة امتدادها، وضاعفت بفضل الإسلام عطاءها، وتنافست عواصم الإسلام في رفع منارة العلم، وتزاحمت مواكب العلماء تغذي الفكر الإسلامي وتثري مدارسه.
ومن الطبيعي أن تحظى الدراسات القرآنية باهتمام العلماء والباحثين، وأن تنشأ علوم القرآن وتتعدد، وتخصّص في كل علم علماء، يكتبون فيه ويصنفون، ويتفقون ويختلفون، ولولا هذه الحرية لما تعددت المدارس والمذاهب، ولما تكاثرت الآراء وتباعدت، وليس من حق أحد أن يوقف مسيرة الفكر البانية الأركان المنيرة الطريق، مطاردة عصر الأمية والجهل، مقتحمة غوامض الفكر، مفسرة محكمه، مجتهدة في فهم متشابهه، لا تتهيب رأيا ولا تخشى اجتهادا، تبحث عن الحقيقة، كما يراها العقل، والعقول متفاوتة في طاقاتها متباينة في تكوينها، وكلها مخاطب ومسئول، والمخاطب مكلف بالفهم، لا يغني البعض عن البعض الآخر.
وإن من يدرس علوم القرآن يدرك عظمة الجهد الذي بذله علماء الإسلام، في خدمة كتاب الله، ففي كل جزئية علم، وفي كل علم عشرات الكتب، وفي كل كتاب آراء واجتهادات تعبر عن عظمة تراثنا العلمي، وبخاصة ما يتعلق بالدراسات القرآنية، وبالرغم من مئات المؤلفات في هذه الدراسات، فإن علوم القرآن لا حدود لها، ومن حق أي جيل أن يضيف الجديد من رأيه وفكره واجتهاده، فالجيل اللاحق كالجيل السابق في قدراته، لا يتفاضل جيل عن جيل، ولا يحق لأي جيل أن يدعي لنفسه حق الوصاية على جيل لاحق أو سابق، فالكل في مسيرة واحدة، وتتفاضل الآراء بالحجة والبرهان، ولا تتفاضل بأسبقية تاريخية أو انتماءات مكانية، فلا مجال لذلك في مثل هذه الأمور.
والتفسير هو العلم الأهم في العلوم الإسلامية، وتتفاضل الأجيال بمدى