احترامها لقدسية هذا الحق، فالمفسر مجتهد، ولا خير في جيل لا يجد علماؤه ما يكتبونه أو يضيفونه إلى مجال المعرفة الإسلامية سوى ما كتبه السابقون، فمثل هذا الجيل عبء على أجيال سابقة، لأنه لم يضف، والفكر الذي لا يواكب حركة المجتمع سرعان ما ينعزل عن ذلك المجتمع، لأن المجتمع ساحة امتداده، لا يمكن أن يجد ما يقوله، سوى ما سبق أن قيل ولا فضل له فيما نقله عن غيره، فنقلة العلوم لا يرقون إلى درجة العلماء.
وعلوم القرآن كثيرة، ومن الصعب معرفة العلم الأول منها، إذ أن نشأة العلوم بدأت مع بداية نزول القرآن، فالرسم القرآني هو العلم الأول من حيث النشأة، لأنه ارتبط بكتابة القرآن، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يعلم كتّاب الوحي كيفية كتابة القرآن، والعناية برسمه، بطريقة متميزة عن قواعد الإملاء، وعند ما جمع «عثمان بن عفان» القرآن وكتبه في مصحف موحد، راعى الرسم القرآني الأصيل الذي كتب بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وتم جمع القرآن لأول مرة في عهد أبي بكر، وتعددت القراءات في وقت مبكر، وكان كل فريق من العلماء يدرس جانبا من جوانب تاريخ القرآن، من حيث الرسم والجمع والنقط والشكل، أو من حيث كيفية الأداء القرآني، كعلم القراءات والتجويد في النطق، أو من حيث معرفة أوجه البلاغة والفصاحة ومنهج الإعجاز البياني.
وكان قراء الصحابة هم الأوائل في معرفة علوم القرآن، وهم الحجة فيما يتعلق بالقرآن، جمعا ورسما وأداء ومعرفة بالناسخ والمنسوخ، وبأسباب النزول، ومعرفة الفواصل والوقف، وكل ما هو توقيفي من علوم القرآن، فلا بد له من سند صحيح يثبت أصله ونقله وصحته.
واشتهر عدد من الصحابة ممن عرفوا بمعرفة القرآن وإتقان حفظه وأدائه، ومن أبرز هؤلاء: زيد بن ثابت، وأبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وأبو موسى الأشعري، وأبو الدرداء، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، ومعاوية، وطلحة، وأنس بن مالك، وحذيفة بن اليمان.


الصفحة التالية
Icon