باعتبار التماثل والتقارب في الحروف، وأكد ائتلاف الفواصل مع ما يدل عليه الكلام، وختم هذا النوع بطرق معرفة الفواصل، وهي طريقان توقيفي وقياسي، وتابع دراسة الأنواع المختلفة لعلوم القرآن.
مقدمة البرهان:
قال الزركشي في مقدمة كتابه «البرهان»:
«فإن أولى ما أعملت فيه القرائح وعلقت به الأفكار اللواقح، الفحص عن أسرار التنزيل، والكشف عن حقائق التأويل، الذي تقوم به المعالم، وتثبت به الدعائم، فهو العصمة الواقية، والنعمة الباقية، والحجة البالغة، والدلالة الدافعة، وهو شفاء الصدور والحكم العدل عند مشتبهات الأمور، وهو الكلام الجزل الفصل الذي ليس بالهزل، شهاب لا يخبو ضياؤه وسناؤه، وبحر لا يدرك غوره بهرت بلاغته العقول، وظهرت فصاحته على كل مقول، وتظافر إيجازه وإعجازه، وتظاهرت حقيقته ومجازه، وتقارن في الحسن مطالعه ومقاطعه، وحوت كل البيان جوامعه وبدائعه، قد أحكم الحكيم صنيعته ومبناه» (١).
والمقدمة رائعة معبرة، جميلة المبنى، بديعة الصياغة، رفيعة الأسلوب، تعبر عن عظمة القرآن، وروعة معانيه، وهي تلخص علوم القرآن، وتشير إلى علومه، وتبين الغايات المقصودة، ونقل في هذه المقدمة أقوال عدد من العلماء ممن عرفوا بحسن الفهم ونقاء القلب، يؤكدون فيها أن حكمة القرآن وفهم آياته لا ينالها إلا أهل القلوب، ممن اختصهم الله بالحكمة، ولا يجتمع فهم القرآن والاشتغال بالحطام في قلب مؤمن أبدا، كما يقول سفيان الثوري، انطلاقا من قوله تعالى في سورة الأعراف: سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ (٢) وفسر سفيان بن عيينة، هذه الآية بقوله: سأحرمهم فهم القرآن، وقال ذو النون المصري:
أبي الله عز وجل إلا أن يحرم قلوب البطالين مكنون حكمة الله» (٣).
(٢) سورة الأعراف، الآية: ١٤٦.
(٣) انظر البرهان في علوم القرآن، ج ١، ص ٦.