ولعل كلمة «الترجمة النسبية» هي الأدق، فليست هناك ترجمة حرفية، وكلمة الترجمة التفسيرية ليست دقيقة، فالمترجم ليس هو المفسر، ويختلف دور كل منهما عن الآخر، فإذا قصد المترجم التفسير، فقد خرج عن مهمته، ويملك المفسر من حرية التعبير ما لا يملكه المترجم، الذي يكلف بوفاء الترجمة لكل معاني النص الأصلي، وجميع دلالاته، وإذا وقع التساهل في ترجمة كلام البشر، فلا يمكن أن يقع التساهل في ترجمة القرآن، حيث يبرز الإعجاز فيه، ولا يمكن للمترجم أن يكون قادرا على فهم أوجه الإعجاز أو التعبير عنه.
الفرق بين الترجمة والتفسير:
فرق الزرقاني في مناهل العرفان بين الترجمة والتفسير، وهو على حق في هذا التفريق، وذكر أربعة فروق (١):
الفارق الأول: صيغة الترجمة صيغة استقلالية، ويراعى فيها الاستغناء بالترجمة عن الأصل، بخلاف التفسير، فإنه يرتبط بأصله ولا ينفصل عنه أبدا، ومهمة المفسر شرح المفردات والجمل، واستنباط المعنى المراد، ولا مكان للتفسير إلا بربطه بالأصل، ويتعدد التفسير وتتباين المعاني المستفادة من النص الأصلي، ويظل الأصل هو الأساس، ولا مجال للقول باستقلال الترجمة القرآنية عن الأصل في جميع الأحوال، مهما بلغت درجة دقة تلك الترجمة، لأن القرآن لا يطلق إلا على القرآن نفسه بلغته
وبألفاظه وبمفرداته، ولا يطلق لفظ القرآن على أية ترجمة، وبخاصة وأن الترجمة متعددة والقرآن واحد ولا يتعدد.
الفارق الثاني: لا يجوز الاستطراد في الترجمة، لأن الأصل فيها أن تكون مطابقة للنص الأصلي، مساوية له في الألفاظ والمفردات معبرة عن معانيه بدقة وأمانة، ولا يجوز للمترجم أن يفسر أو يوضح. وتتمثل مهمته في النقل الأمين للأصل، ويختلف الأمر بالنسبة للتفسير، فمن واجب المفسر أن يوضح ويبين ويستشهد ويرفع الفحوص، ويرجح المعاني المستفادة، ويوجه مسار النص

(١) انظر مناهل العرفان للأستاذ محمد عبد العظيم الزرقاني، ج ٢، ص ١٠ - ١٢.


الصفحة التالية
Icon