ولا شك أنّ عصر مقاتل كان عصرا مزدهرا في التأليف والتّصنيف ويرجع ذلك إلى الأسباب التالية:
١ - التأليف في الحديث الشريف:
ففي أواخر العصر الأمويّ قد اختلفت آراء التّابعين حول تدوين الحديث الذي منع الرّسول ﷺ من تدوينه في عصره بنصوص صريحة حتى لا يختلط حديث الرسول ﷺ بالقرآن الكريم، فتضيع معالم القرآن، وهو معجزة الإسلام الخالدة التي تتحدّى أرباب البيان، وفرسان الفصاحة في كل العصور والأزمان.
يدلّ على ذلك ما رواه أبو سعيد الخدريّ أن النبيّ ﷺ قال: «لا تكتبوا عنّي شيئا سوى القرآن، فمن كتب عنّي شيئا سوى القرآن فليمحه» (١) وقد ناقشت هذه القضية في كتابي «القرآن الكريم وأثره في الدراسات النحوية: لأن هناك بعض أحاديث أخرى لا تتفق مع هذا النهيّ. (٢)
وفي عهد عمر بن عبد العزيز حدث خلاف بين التّابعين في مشروعية جمع الحديث الشّريف، والتّصنيف فيه، وتمحّض الاختلاف عن الاتّفاق على كتابة الحديث الشريف، وجمعه، وتصنيفه حتى لا يضيع في زحمة الحياة الفكريّة المتأججة في أواخر العصر الأموي الذي بدأت فيه المذاهب والأفكار الوافدة تعلن عن نفسها.
ولذلك كان عمر بن عبد العزيز جريئا في إقدامه على هذه الخطوة

(١) تقييد العلم للخطيب البغدادي: ٢٩.
(٢) انظر القرآن الكريم وأثره في الدراسات النحوية للمؤلف: ٢ - ٤.


الصفحة التالية
Icon