وبالمقارنة بين هذه الآراء نجد أن الاختلاف بين المادحين والناقدين يرجع إلى طريقة التفكير السائدة في هذه الفترة من التاريخ.
فقد كان التّقيّد بالرواية، والاعتماد على السّند، والمحاظة على القيم العلميّة السائدة سمة من سمات هذا العصر، فلا قول إلا بسند، ولا خبر إلا برواية، ولا رأي إلّا بنصّ.
ويبدو أن «مقاتل» لم يلتزم بهذا المنهج، ولم يفرض على نفسه الالتزام بما هو سائد في عصره.
فقد تحدّث مالك بن أنس فقال: بلغه أن مقاتل بن سليمان جاءه إنسان فقال له: إن إنسانا جاءني فسألني عن لون كلب أصحاب الكهف، فلم أدر ما أقول له، فقال له سليمان: ألا قلت: أبقع؟ فلو قلته لم تجد أحدا يردّ عليك» (١) فهذه القصة تدل في وضوح على تحرّر مقاتل من الالتزام بالرّواية، وفي الوقت نفسه تدلّ على الجرأة في الإجابة عن الأسئلة التي توجّه إليه، وبخاصة في الموضوعات التي لم يرد فيها نصّ من رواية أو خبر ومما يؤكد هذا الرأي أن إبراهيم بن يعقوب قال عنه: «كان كذابا جسورا، سمعت أبا اليمان يقول: قدم ها هنا، فقال: سلوني عمّا دون العرش... فقال له الرجل: أخبرني عن النملة:
أين أمعاؤها؟ فسكت:»
وفي رواية أخرى: قال له يوسف السمتي: «من حلق رأس ادم أول ما حجّ، فقال: لا أدري» (٢) ومن أجل هذه الجرأة توقف بعض العلماء عن الأخذ من تفسيره، فقد قال ابن المبارك لمّا نظر إلى شيء من تفسيره: «يا له من علم لو كان

(١) تهذيب التهذيب: ١٠/ ٢٨٢.
(٢) السابق ٢٨٣.


الصفحة التالية
Icon