وقرر الله أن هذا القرآن ميسر للذكر- لمن أراد أن يذكر ويتذكر، ولمن تعامل معه بقلب حى وتأثر بالغ- فقال: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧)؟ [القمر: ١٧].
وبيّن أنه ضرب فى هذا القرآن للناس من كل مثل لعلهم يتفكرون أو يتذكرون، ولكنهم غفلوا عن هذه الأمثال وأعرضوا عنها، واختاروا أن يعيشوا فى ريبهم وكفرهم يترددون. فقال: وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً (٨٩) [الإسراء: ٨٩].
وأعلمنا الله أن الكفار لا يحبون سماع هذا القرآن، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام إذا قرأ القرآن فإن الحاجز السميك، والحجاب الساتر، يرتفع بينه وبين أولئك الكفار، وأن هذا الحجاب الحاجز يتمثل فى الأغطية على القلوب، وفى الصمم فى الآذان، فلا تعى ولا تتدبر كلام الله، ولذلك يعرضون عن القارئ لكلام الله، ويولون مدبرين نافرين، فقال تعالى:
وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (٤٥) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (٤٦) [الإسراء: ٤٥، ٤٦].
ودعانا الله إلى أن نتهيأ لتلاوة القرآن، وأن نستعد لها استعدادا خاصا، بأن نتوجه إلى الله قبلها، نستعيذ به من الشيطان، لتكون هذه الاستعاذة وسيلة لتدبر كلام الله، فقال: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٩٨) [النحل: ٩٨].
وطالبنا الله بالأدب الجم مع القرآن، عند ما نسمع آياته تتلى علينا، فلا بد من الاستماع لها بكامل كياننا الإنسانى، وفتح كل منافذ القلب لتصل إليه وتتفاعل معه. وفرق بين السماع والاستماع، إذ أن السماع هو وصول