الذى نعنيه.. إن الذى نعنيه بالحياة فى جو القرآن: هو أن يعيش الإنسان فى جو، وفى ظروف، وفى حركة، وفى معاناة، وفى صراع، وفى اهتمامات.. كالتى كان يتنزل فيها هذا القرآن.. أن يعيش الإنسان فى مواجهة هذه الجاهلية التى تعم وجه الأرض اليوم، وفى قلبه وفى همه وفى حركته، أن «ينشئ» الإسلام فى نفسه، وفى نفوس الناس، وفى حياته وفى حياة الناس.. مرة أخرى فى مواجهة هذه الجاهلية، بكل تصوراتها وكل اهتماماتها وكل تقاليدها، وكل واقعها العملى، وكل ضغطها كذلك عليه، وحربها له، ومناهضتها لعقيدته الربانية، ومنهجه الربانى، وكل استجاباتها كذلك لهذا المنهج ولهذه العقيدة، بعد الكفاح والجهاد والإصرار..
هذه هو الجو القرآنى الذى يمكن أن يعيش فيه الإنسان، فيتذوق هذا القرآن، فهو فى مثل هذا الجو نزل، وفى مثل هذا الخضمّ عمل.. والذين لا يعيشون فى مثل هذا الجو معزولون عن القرآن، مهما استغرقوا فى مدارسته وقراءته والاطلاع على علومه..
والمحاولة التى نبذلها لإقامة القنطرة بين المخلصين من هؤلاء وبين القرآن، ليست بالغة شيئا، إلّا بعد أن يجتاز هؤلاء القنطرة، ويصلوا إلى المنطقة الأخرى، ويحاولوا أن يعيشوا فى «جو القرآن» حقا، بالعمل والحركة، وعندئذ فقط سيذوقون هذا القرآن ويتمتعون بهذه النعمة التى ينعم الله بها على من يشاء.. [الظلال ٢/ ١٠١٦ - ١٠١٧].
ويدلنا على الطريقة الصحيحة لقراءة القرآن وتدبره والوقوف على أسراره وكنوزه فيقول: «إن هذا القرآن ينبغى أن يقرأ، وأن يتلقى من أجيال الأمة المسلمة بوعى. وينبغى أن يتدبر على أنه توجيهات حية، تتنزل اليوم، لتعالج مسائل اليوم، ولتنير الطريق إلى المستقبل. لا على أنه مجرد كلام جميل يرتل، أو على أنه سجل لحقيقة مضت ولن تعود.