لغة واحدة وقبيلة واحدة، ولو كان المقصود بالأحرف السبعة اللغات المختلفة أو كانت لغات متفرقة، لما اختلف القرشيان، ولغتهما واحدة، فظهر بأنّ المقصود من الأحرف السبعة شيء آخر غير لغات العرب.
٦ - أن المراد هو أنها لغات سبع تكون في الكلمة الواحدة في الحرف الواحد باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني، كقول القائل: هلمّ، وأقبل، وتعال، وإليّ، وقصدي، وقربي، ونحوي... ، فهذه الألفاظ السبعة: معناها واحد هو:
الطلب والإقبال، وهو منسوب لجمهور أهل الفقه والحديث، منهم: سفيان الثوري، وابن وهب، وهو قول ابن جرير الطبري (١).
واستدلوا بما جاء في حديث أبي بكرة من قوله صلّى الله عليه وسلم: «كلّها شاف كاف ما لم تختم آية عذاب برحمة، ولا آية رحمة بعذاب»، وما جاء في حديث أبي بن كعب أنه كان يقرأ: «كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ، مروا فيه، سعوا فيه»، وما جاء عن ابن مسعود أنه كان يقرأ: «لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا، أمهلونا، أخرونا».
يناقش هذا القول بعدة أمور (٢):
الأمر الأول: أن ما ذكر في الأحاديث ليس من قبيل حصر الأحرف السبعة، بل هو من باب التمثيل فقط لما نزل من القرآن الكريم، ويؤيد ذلك قول ابن عبد البر:
«أراد بهذا ضرب المثل للحروف التي نزل القرآن عليها أنها معان متّفق مفهومها، مختلف مسموعها، لا يكون في شيء منها معنى وضده، ولا وجه يخالف معنى وجه خلافا
ينفيه ويضاده، كالرحمة التي هي خلاف العذاب وضده»
(٣).
الأمر الثاني: أن الواقع الحقيقي للقراءات الثابتة عن النبي صلّى الله عليه وسلم يخالف ما ذهبوا إليه مخالفة صريحة، إذ كثير من أوجه الاختلاف ليست داخلة في معنى الترادف الذي قصروا عليه معنى الأحرف السبعة، وأدنى تأمل للقراءات العشر المتواترة يجد هذا الاختلاف يتجاوز المرادفات اللفظية.

(١) الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن (١: ٢٣).
(٢) الزرقاني، مناهل العرفان، (١: ١٧٤) وما بعدها.
(٣) الزركشي، البرهان (١: ٢٢١).


الصفحة التالية
Icon