الأمر الثالث: أن هذا القول يلزم منه أن الأمة أسقطت واطرحت ستة أحرف، واختارت حرفا واحدا، وفي هذا إهدار لجملة كثيرة للثابت عن النبي صلّى الله عليه وسلم، بل إن الصواب: أن عثمان رضي الله عنه جمع الناس على العرضة الأخيرة التي عارضها النبي صلّى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام لم يغادر منها حرفا واحدا، وما كان له رضي الله عنه، ولا لغيره فعل ذلك، فإن القرآن بأوجهه المتعددة منزل، منقول إلينا بالتواتر.
فكيف تجمع الأمة على ترك ستة أحرف، ويتوافق الجميع على هذا الترك؟
٧ - أن المراد بالأحرف السبعة: الأنواع التي يقع بها التغاير والاختلاف في الكلمات القرآنية، ولا يخرج عنها ثم اختلفوا في تعيينها وحصرها.
فعند أبي الفضل الرازي- مثلا- هي سبعة أصناف:
١ - اختلاف أوزان الأسماء من الإفراد والتثنية والجمع.
٢ - اختلاف تصريف الأفعال وما تستند إليه نحو الماضي والمستقبل والأمر، والإسناد إلى المذكر والمؤنث والمتكلم والمخاطب والفاعل والمفعول به.
٣ - وجوه الإعراب.
٤ - الزيادة والنقصان.
٥ - التقديم والتأخير.
٦ - القلب وإبدال كلمة بأخرى أو حرف بآخر.
٧ - اختلاف اللغات من فتح وإمالة وترقيق وتفخيم، وتحقيق وتسهيل، وإدغام وإظهار، ونحو ذلك.
وقريب مما ذهب إليه أبو الفضل الرازي ذهب ابن قتيبة.
وقد درس الإمام ابن الجزري أوجه القراءة، فوجدها لا تخرج عن سبعة أنواع هي:
النوع الأول: في الإعراب بما لا يزيل صورتها في الخط، ولا يغير معناها، ومثاله: «هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ»، والوجه الثاني: «أَطْهَرُ».
النوع الثاني: الاختلاف في إعراب الكلمة، وحركات بنائها بما يغير معناها، ولا يزيلها عن صورتها، ومثاله: «رَبَّنا باعِدْ»، والوجه الثاني: «رَبَّنا باعِدْ».