الشبهة الرابعة: تناقض معنى القراءات
: زعم المستشرق جولد زيهر: وجود التناقض بين القراءات في المعنى، واستدل على ذلك بالقراءتين المتناقضتين في أول سورة الروم، أولاهما غُلِبَتِ الرُّومُ بالبناء للمجهول، وسَيَغْلِبُونَ بالبناء للفاعل والقراءة الثانية ببناء (غلبت) للفاعل وسَيَغْلِبُونَ للمفعول، وهاتان قراءتان متعارضتان في المعنى (١).
الرد على هذه الشبهة
: إن القراءة الأولى، وهي ببناء غَلَبَتْ للمفعول هي القراءة المتواترة الصحيحة، أما القراءة الثانية ببناء (غلبت) للفاعل فهي قراءة شاذة، والقراءة الشاذة لا تقوى على معارضة القراءة الصحيحة ولا تصلح لمقابلتها، فالقراءة الشاذة ليست قرآنا، ولا يجوز قراءتها على أنها من القرآن، أو إيهام السامع ذلك، وإنما تروى للاحتجاج بها في الفقه واللغة أو للعلم بها (٢) ولذا فلا ينبغي أن يقال إن في هذا الموضع قراءتين، بل هي قراءة واحدة صحيحة والقراءة الأخرى لا تصح ولا تعدّ قراءة (٣).
وعلى فرض التسليم بصحتها فإنه يمكن الجمع بين القراءتين، بأن كلا منهما تتحدث عن حادثة، فالقراءة الأولى تتحدث عن انتصار الفرس على الروم، وتبشر بانتصار الروم على الفرس خلال بضع سنين، وأن ذلك النصر المبشّر به سيترافق مع نصر آخر للمسلمين على المشركين، وهذا ما حصل فقد تزامن انتصار الروم على الفرس، مع غزوة بدر التي انتصر فيها المسلمون على المشركين.
أما القراءة الثانية فتخبر أن الروم انتصروا على سواد الشام وتبشر المسلمين بالانتصار على الروم بعد ذلك ببضع سنين، وقد غزا المسلمون الروم في السنة التاسعة من نزول الآية وفتحوا بعض بلادهم.
فهذا المعنى الذي أفادته هذه القراءة لا يتناقض مع المعنى الذي أفادته القراءة القراءة، لأن التناقض لا يتحقق إلا إذا توارد شيئان متضادان على أمر واحد وفي زمن
(٢) القسطلاني، لطائف الإشارات (١: ٧٢).
(٣) ابن الجزري، النشر (١: ٤٩) وعبد القيوم السندي، صفحات في علوم القراءات (١٣٤).