قرأ أبو عمرو- أي من رواية السوسي عنه- الرّحيم ملك بالإدغام، وباقي القراء بالإظهار (١).
خامسا: الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف (٢):
يمكن تلمس الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف بالنظر في الأحاديث النبوية الشريفة الواردة في معناها، وبما تتضمنه من اختلاف أوجه القراءة على النحو التالي:
١ - تيسير القراءة والحفظ على قوم أميين. وهذا واضح في قول النبي صلّى الله عليه وسلم المتقدم:
«يا جبريل إني بعثت إلى أمة أميين، منهم العجوز، والشيخ الكبير، والجارية، والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط»، فقد كانت العرب قبائل متعددة، وكان بينها اختلاف وتباين في اللهجات واللغات وطريقة الأداء، فلو ألزمت الأمة بكيفية واحدة من كيفيات القراءة لشق ذلك على مجموع الأمة، وإن كان يخدم بعضها (٣).
وهو تحقيق لقول الله عز وجل: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر: ١٧].
قال الحافظ ابن الجزري: «فأما سبب وروده على سبعة أحرف، فللتخفيف على هذه الأمة وإرادة اليسر بها، والتهوين عليها شرفا لها وتوسعة ورحمة وخصوصية لفضلها، وإجابة لقصد نبيها أفضل الخلق وحبيب الحق... وكما ثبت صحيحا: إن القرآن نزل من سبعة أبواب على سبعة أحرف، وإن الكتاب قبله كان ينزل من باب واحد على حرف واحد، وذلك أن الأنبياء عليهم السلام كانوا يبعثون إلى أقوامهم الخاصين بهم، والنبي صلّى الله عليه وسلم بعث إلى جميع الخلق أحمرها وأسودها عربيها وعجميها؛ وكانت العرب الذين نزل القرآن بلغتهم لغاتهم- أي لهجاتهم- مختلفة، وألسنتهم شتى، ويعسر على أحدهم الانتقال من لغته إلى غيرها، أو من حرف إلى آخر، بل قد يكون بعضهم لا يقدر على ذلك ولو بالتعليم والعلاج لا سيما الشيخ والمرأة، ومن لم يقرأ كتابا كما أشار إليه صلّى الله عليه وسلم، فلو كلفوا العدول عن لغتهم، والانتقال عن ألسنتهم لكان من التكليف بما لا يستطاع... » (٤).
(٢) ابن الجزري، النشر في القراءات العشر (١: ٥٢ - ٥٣).
(٣) الزرقاني، مناهل العرفان (١: ١٤٥).
(٤) ابن الجزري، النشر في القراءات العشر (١: ٢٢).